فبالرغم من أنّ الله ليس بإنسان
ليس الله إنسانًا فيكذب
ولا ابن بشر فيندم
أتراه يقول ولا يفعل
أم يتكلّم ولا ينجز ؟ (سفر العدد 23 : 19)
ولا تستطيع أية خليقة إعطاء فكرة عن مجده
فبمن تشبّهون الله
وأيّ شبه تعادلونه به؟ (أشعيا 40 : 18)
بمن تشبّهونني وتعادلونني
وبمن تقارنونني فنتشابه ؟ (أشعيا 46 : 5)
إلاّ أنّ له، مثل الإنسان، نيّات وتدابير، ويريد أن يدخل في اتصال مع الإنسان، وبالتالي فله أيضًا وجه، ويستطيع تارة أن يشير على الناس بوجهه فيخلصوا
أللهمّ أرجعنا وأنر علينا بوجهك فنخلص (مزمور 80 : 4)
وتارة أن يخفيه في غضبه
برضاك ثبّتني، يا ربّ، في جبال عزّي، ثمّ حجبتَ وجهك فنال الرّوع منّي (مزمور 30 : 8)
وفي وسط إسرائيل يسكن هذا الوجه الإلهي. وهو غير مرئي، لكنّه ممتلئ بالحيوية العجيبة الخاصّة بالله الحيّ، لذلك فإنّ حضور هذا الوجه الإلهي هو قوّة شعبه
وذلك أنّه أحبّ آباءك واختار نسلهم من بعدهم وأخرجك بحضرته وبقوّته العظيمة من مصر (سفر تثنية الاشتراع 4 : 37)
وهذا الحضور، هو الذي يعطي حقّ قدره لتطلع العبادة إلى رؤية وجه الله
ظمئت نفسي إلى الله، إلى الإله الحيّ، متى آتي وأحضر أمام الله (مزمور 42 : 3)
وإلى البحث عن وجه الربّ
فيك قال قلبي: «التمس وجهه»، وجهك يا ربّ ألتمس،
لا تحجب وجهك عنّي، ولا تنبذ بغضب عبدك (مزمور 27 : 8-9)
ولكن، لأنّ وجه الربّ هو وجه الإله القدّوس العادل،
المستقيمون يشاهدون وجهه (مزمور 11 : 7)
إنّ معاينة الله، أو سماع صوته، تخيف الإنسان، بسبب خطيئته،
فقلت: «ويل لي، قد هلكت لأنّي رجل نجس الشفتين، وأنا مقيم بين شعب نجس الشفاه، وقد رأت عيناي الملك ربّ القوّات» (أشعيا 6 : 5)
قال الشعب لموسى: «كلّمنا أنت فنسمع ولا يكلّمنا الله لئلاّ نموت» (سفر الخروج 20 : 19)
لذلك يستر موسى، أو إيليا، أو السرافون وجوههم أمام الله
فستر موسى وجهه لأنّه خاف أن ينظر إلى الله (سفر الخروج 3 : 6)
فلمّا سمع إيليّا، ستر وجهه بردائه، وخرج ووقف بمدخل المغارة (سفر الملوك الأوّل 19 : 13)
من فوقه سرافون قائمون، ستّة أجنحة لكلّ واحد، باثنين يستر وجهه، وباثنين يستر رجليه، وباثنين يطير (سفر أشعيا 6 : 2)
ومع ذلك فإنّ معاينة الله هي حياة الإنسان وخلاصه
من أمام وجهك لا تطرحني، وروحك القدّوس لا تنزعه منّي، أردد لي سرور خلاصك، فيؤيدني روح كريم. (مزمور 51 : 13-14)
بصفة استثنائية
كلّم الربّ موسى وجهًا إلى وجه، كما يكلّم المرء صديقه (سفر الخروج 33 : 11)
وبصفة استثنائية، يبقى يعقوب على قيد الحياة، بعد مشاهدته وجه الله
وسمّى يعقوب المكان فنوئيل قائلاً: «إنّي رأيت الله وجهًا إلى وجه، ونجت نفسي» (سفر التكوين 32 : 31)
ولكن، عندما يطالب موسى بأن يعاين مجد الله، فهو لا يراه إلاّ من ظهره
قال الربّ: «هوذا مكان بجانبي، قف على الصخرة، فيكون، إذا مرّ مجدي، أنّي أجعلك في حفرة الصخرة، وأظللك بيدي حتّى أمرّ، ثمّ أرفع يدي فترى ظهري، وأمّا وجهي فلا يرى» (سفر الخروج 33 : 21-23)
يقول غريغوريوس النيصي (القرن الرابع): «إنّ اتباع شخص ما، معناه مشاهدته من خلف ظهره. وهكذا موسى الذي كان يتحرّق لمشاهدة وجه الله، قد تعلّم كيف يرى الله: السير وراءه حيثما يقود».
في العهد الجديد، يظهر مجد الله في يسوع، الذي هو وحده رآه وأخبر عنه
إنّ الله ما رآه أحد قطّ، الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو الذي أخبر عنه (يوحنا 1 : 18)
بالنسبة إلى جميع الناس، سيرون وجه الله في الدينونة الأخيرة
عرش الله والحمل سيكون في المدينة، وسيعبده عباده، ويشاهدون وجهه، ويكون اسمه على جباههم (رؤيا يوحنا 22 : 3)
* مقتبس عن: معجم اللاهوت الكتابي، دار المشرق، بيروت، 1986، ص. 836.