يقول الواقع والمنطق السليم إنّ بطرس ويوحنا هما أوّل الرسل اللذين وضعا اليد على هذه الذخيرة الثمينة، حين دخلا القبر الفارغ، فتناقلَها المسيحيّون من بعدهم، من جيلٍ إلى جيل.
إنّ مسار الكفن في القرون الأولى غير مؤكّد، وهناك فرضيّات كثيرة معروضة في هذا الموقع. لكنّ الأكيد أنّه لازم الشرق حتّى العام 1204 حين كان في القسطنطينيّة، واحتلّ الصليبيّون المدينة، واستولوا على الكفن وذخائر أخرى اصطحبوها إلى مكان مجهول، ليظهر الكفن في مدينة ليريه (فرنسا) العام 1355، ومنها تمّ نقله إلى مدينة شامبيري (فرنسا)، ثمّ إلى مدينة تورينو (إيطاليا) العام 1578 حيث استقرّ فيها ولا يزال.
إنّ الكفن مصنوع من الكتّان، وتبدو القماشة مستطيلة الشكل، لكنّها ليست مستطيلاً كاملاً، إذ إنّ طول الطرف الأعلى لا يساوي طول الطرف الأسفل، وعرض الطرف الأيمن لا يساوي عرض الطرف الأيسر، في حال نظرنا إلى الكفن كما هو ظاهر على الصفحة الرئيسيّة من هذا الموقع.
وبشكل عامّ، اختلفت المقاييس على مرّ الزمن، بسبب العوامل الخارجيّة المؤثرة على تمدّد القماش أو انكماشه. إنّ المقاييس التي دُوّنت عند الانتهاء من عمليّة الترميم التي جرت في العام 2002 هي كالتالي:
طول الطرف الأعلى = 442،5 سنتم
طول الطرف الأسفل = 441،5 سنتم
عرض الطرف الأيمن = 113،7 سنتم
عرض الطرف الأيسر = 113 سنتم
يبلغ وزن الكفن حوالى 1،30 كغ بالاستناد إلى حسابات العالم جيلبرت رايس، والعالم روجير موريس من فريق الستارب الذي قام بمعاينة الكفن في العام 1978، وسماكة القماشة 0،35 ملم بالاستناد إلى ما قاسه جون جاكسون، رئيس فريق الستارب.
تقوم عادات اليهود بدفن موتاهم زمن المسيح على غسل جسد الميت، وقصّ شعره، وحلق ذقنه، ورشّ العطور عليه، ودهن جسده بالطيوب، وتلبيسه الثياب اللائقة. وغالبًا ما كان يتمّ إغلاق عيني الميت.
إنّ استعمال الكفن لدفن المسيح ما كان إلاّ إجراءً موقَّتًا وسريعًا وغير اعتياديًّا، تمّ اتّخاذه بسبب اقتراب المساء وبدء السبت، واستحالة إمكان القيام بأيّ عملٍ آخَر يتطلّب وقتًا أطول، بحسب الشريعة وعادات المجتمع اليهوديّ الذي عاش فيه المسيح. وهذا ما جعل النسوة يأتين إلى القبر، فجر الأحد، لاستكمال ما قد فاتهنّ القيام به من ترتيبات الدفن المعتادة.
بما أنّ هنالك أكفانًا عديدة استُعملت في التاريخ القديم والحديث، أجرى العلماء أبحاثًا، فتبيّنَ لهم أنّ هنالك أربع صفات أساسيّة لكفن المسيح، فريدة من نوعها، ولا مثيل لها في الأكفان الأخرى، هي التالية:
- وجود آثارٍ واضحة لجسم إنسان، نراه كاملاً، يحمل آثار التعذيب (الجَلد والصَلب) من الخلف ومن الأمام. إنّ الكفن خالٍ من أيّ مادّة تلوين اصطناعيّة أو صباغٍ طبيعيّ. لذلك، لا يمكن أن تكون هذه الآثار من صنع أيدي البشر، ولا من إنتاج فنان بارع، مهما كان حاذقًا.
- إنتقال آثار الجسم على الكفن، بطريقةٍ سلبيّة، فالألوان معكوسة، وكذلك الاتّجاهات.
- إحتواء آثار الجسم التي على الكفن مواصفات الأبعاد الثلاثة، مع أنّها مسطَّحة في بعدَين، فقط، ممّا مكَّن العلماء من تكوين صورة واضحة عن الجسم في الأبعاد الثلاثة، إنطلاقًا من صورة في بُعدَين، فقط.
- عدم وجود أيّ أثر لاهتراء جسد الميت الموجود في هذا الكفن. وهذا يعني أنّ الجسد خرج من الكفن في وقتٍ مبكّر، بطريقة لم يستطع العلم تفسيرها حتّى اليوم، وذلك قبل بدء عمليّة تحلّل الأعضاء، كما يحصل، عادةً، لغيره من أجساد الموتى، بعد مرور وقتٍ قصير على الوفاة، لا يتعدى الأيّام القليلة.
كلاّ. فمع أنّ فحص الكربون 14 افترَض أنّ الكفن صُنع ما بين العام 1260 والعام 1390، يأتي العديد من الوثائق التاريخيّة القديمة العهد على ذِكر الكفن، ممّا يؤكّد وجوده قبل الفترة المذكورة. أبرز هذه الوثائق:
- عظة غريغوريوس، المتقدّم بين شمامسة القسطنطينيّة، التي يعود تاريخها إلى العام 944.
- أخبار جان سكيليتزيس المزيّنة بالرسوم والمحفوظة في مكتبة مدريد الوطنيّة التي يعود تاريخها إلى القرن الثاني عشر.
- مخطوط براي Pray في بودابست (هنغاريا)، الذي يعود تاريخه إلى العام 1190.
هذا، إلى جانب دراسات العديد من العلماء، أمثال راي روجرز و جون جاكسون وجوليو فانتي وجو مارينو وغيرهم الذين قدّموا البراهين الكافية لنقض النتيجة التي افترضَها فحص الكربون 14. ولقد نُشرَت أبحاث هؤلاء العلماء في أهمّ المجلاّت العلميّة في العالم، ننشر بعضها في هذا الموقع، إضافة إلى شرح مفصّل لملابسات هذا الفحص الذي تمّ إجراءه بشكل مريب. إنّ المجتمع العلمي يطالب سلطات تورينو المسؤولة عن الكفن بإعادة الفحص بعد وضع خطّة علميّة شاملة متعددة الاختصاصات تحظى بموافقة جماعية.
نظرًا لقيمة الكفن الفريدة، فهو ليس معروضًا، بشكلٍ دائم، خوفًا من تأثيرات العوامل الطبيعيّة عليه، كالنور والحرارة والرطوبة إلخ... وتجنّبًا لأعمال التخريب التي يمكن أن تنال منه. لذلك، إنّ جلّ ما يراه الزائر لكاتدرائيّة تورينو هو المذخر فقط المغطى بحلّة فاخرة. ولا يُمكن رؤيته ظاهرًا، ومعاينته عن قُرب، إلاّ في الحالات التي يُعرض فيها للعموم.
ويتمّ عرض الكفن، أمام الجمهور، في مناسباتٍ يُعلنها بابا روما، ويحدِّد زمانها ومدّتها، كان آخرها العام ٢٠١٥، بناءً على طلب البابا فرنسيس، بالتزامن مع احتفالات المئوية الثانية لولادة دون بوسكو.
كما يتمّ عرض الكفن في مناسبات خاصّة، وأمام جمهور محدود، ويُنقل العرض للعموم بواسطة شاشات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي، كما حصل مؤخرًا يوم سبت النور، في ٦ آذار ٢٠١٣، بناءً على إذن من البابا بنديكتُس السادس عشر الذي سبق له ووصف الكفن بأنّه «أيقونة السبت العظيم»؛ وفي شهر آب العام ٢٠١٨ تزامنًا مع الحجّ الذي قامت به شبيبة إيطاليا إلى روما، مرورًا بتورينو؛ ويوم سبت النور الواقع فيه ١١ نيسان ٢٠٢٠، حين ترأس المطران نوسيليا ليتورجيّة خاصّة، استجابة لآلاف الطلبات التي وصلته من قبل العديد من الأشخاص الذين أبدو رغبة جامحة في الصلاة أمام الكفن في هذه الظروف الصعبة التي يعيشها العالم بسبب انتشار وباء الكورونا.