لا توجد تقاليد دفن يهودية محدّدة ومتشابهة عبر العصور. كانت تتبدل تدريجيًا بقدر ما كان اليهود يتّصلون بشعوب أخرى فيأخذون عنها أساليبها وطرقها في الدفن، مع الاحتفاظ ببعض النواحي الخاصّة التي نجدها في التوراة.
كان اليهود يعلّقون أهمية كبيرة على الدفن. هذا يفسر الخوف والخجل الذي كانوا يشعرون بهما في حال لم يتمكّنوا من دفن الميت:
«وتصير جثتك مأكلاً لطيور السّماء ووحوش الأرض، وليس من يقلقها» (سفر تثنية الاشتراع 28 : 26)
«...بل يطمر طمر الحمار، مجرورًا مطروحًا بعيدًا عن أبواب أورشليم» (سفر إرميا 22 : 19)
وكانوا يعبّرون في وصيّتهم عن رغبتهم في الحصول على دفن كامل وجيّد، كما قال ابراهيم (سفر التكوين 23) ويعقوب (سفر التكوين 49 : 29-33) ويوسف (سفر التكوين 50 : 25).
إنّ الدفن هو من وصايا الله:
«بعرق جبينك تأكل خبزًا حتّى تعود إلى الأرض، فمنها أخذتَ لأنّك تراب وإلى التراب تعود» (سفر التكوين 3 : 19)
والدفن واجب لجميع الموتى، بما فيهم المجرمين:
«وإذا كانت على إنسان خطيئة تستوجب الموت، فقتل وعلّقته على شجرة، فلا تبت جثّته على الشّجرة، بل في ذلك اليوم تدفنه، لأنّ المعلّق لعنة من الله...» (سفر تثنية الاشتراع 21 : 22)
لكنّ اليهود لم يعلّقوا أهميّة كبيرة على الموتى:
«فراشي بين الأموات، مثل القتلى الراقدين في القبور، مَن عدتَ لا تذكرهم، وهم من يدك منتزعون... أللأموات تصنع العجائب، أم يقوم الأشباح ليحمدوك؟ أفي القبر يحدّث برحمتك، وفي الهاوية بأمانتك؟ أفي الظلمة تُعرف عجائبك، وفي أرض النسيان برّك؟» (سفر المزامير 88 : 6-13)
وكانت لديهم رغبة دائمة، وهي أن يرقد جسد الميت في أرض الآباء، ويلمس ترابها:
«وأوصاهم يعقوب وقال لهم: أنا منضمّ إلى أجدادي فادفنوني مع آبائي» (سفر التكوين 49 : 29)
«فأموت في مدينتي حيث قبر أبي وأمّي» (سفر صموئيل الثاني 19 : 38)
لهذا السبب، فإنّ اليهود المتشددين، حتّى في أيّامنا هذه، لا يستعملون النعوش، بل يضعون الميت مباشرة في الأرض. وإذا كانت قوانين بعض الدول تجبرهم على استعمال النعش، فانهم يثقبون قعره للسماح للجسم بأن يكون على اتصال مباشر بالأرض.
كان الدفن يتمّ عادة في أملاك العائلة، في قبور ثابتة ودائمة، أكان ذلك في مغارة كتلك التي اشتراها ابراهيم، مغارة المكفيلة، التي أصبحت قبر الآباء .... أو في الارض:
«...ودُفن في أرض ميراثه» (سفر القضاة 2 : 9)
«وتوفّي صموئيل، فاجتمع كلّ إسرائيل وناحوا عليه ودفنوه في بيته في الرّامة» (سفر صموئيل الأوّل 25 : 1)
لتجنّب التدنيس، كان يوضع حجر أبيض عند مدفن العائلة. وفي بعض الأحيان، توضع مسلّة كتلك التي وضعها يعقوب لرحيل (سفر التكوين 35 : 20)
أمّا يسوع، فقد دفن في قبر يوسف الرامي، المحفور في الصخر، وهو شبيه بالقبور التي عثر عليها مؤخرًا في إسرائيل، وتعود إلى زمن المسيح.
في زمن مملكة يهوذا ومملكة إسرائيل، كانت المدافن تبنى للملوك والشخصيات:
«واضطجع عزّيّا مع آبائه ودفنوه مع آبائه في الحقل المجاور لمقبرة الملوك» (سفر الأخبار الثاني 26 : 23)
أمّا النبي أشعيا، فقد رفض المقابر الأنيقة:
«ما لكَ هنا ومَن لكَ هنا حتّى نَحتّ لكَ قبرًا هنا؟ أيّها النّاحت له قبرًا رفيعًا، الحافر في الصّخر مسكنًا له، هوذا الربّ يا رجل، يقذف بك قذفًا، ويقبض عليك قبضًا» (سفر أشعيا 22 : 16-17)
إنّ استعمال المدافن الجماعية أتى متأخرًا ونجد له، في التوراة، بعض الحالات، حيث لم يكن بمقدور الناس الحصول على مدفن خاص:
«...وذرّ رماده على قبور عامّة الشعب» (سفر الملوك الثاني 23 : 6)
«فأخرجوا أوريّا من مصر وأتوا به إلى الملك يوياقيم، فقتله بالسّيف، وطرح جثّته في قبور عامّة الشعب» (سفر إرميا 26 : 23)
كان الدفن يتمّ، عادة، بعد الوفاة مباشرة، لا أكثر من يوم واحد بعدها، وذلك بسبب المناخ، ولأنّ اليهود لا يحنطون الموتى كالمصريين، ولا يحرقونهم كالرومان. لقد استعملوا التحنيط ليعقوب وليوسف، فقط، وهما توفّيا في مصر، ووضعا في نعشين.
أمّا الحرق، فكانوا يستعملونه كعقاب:
«أخبر يهوذا وقيل له: قد بَغت تامار كنّتك، وها هي حامل من البغاء. فقال يهوذا: أخرجوها فتحرق» (سفر التكوين 38 : 24)
«وأيّ رجل اتّخذ امرأة وأمّها، فتلك فاحشة، فليحرق هو وهما بالنّار» (سفر الأحبار 20 : 14)
«وأيّة ابنة رجل كاهن تُدنّس نفسها للزنى، فقد دنّست أباها، فلتُحرق بالنار» (سفر الأحبار 21 : 9)
او كعلامة وفاء، كما حصل لجثث شاول وأبنائه:
«أخذوا جثّة شاول وجثث بنيه عن سور بيت شان، وأتوا بها إلى يابيش، وأحرقوها هناك» (سفر صموئيل الأول 31 : 12)
لم يكن مسموحًا حرق الاولاد:
«لا يكن فيك مَن يحرق ابنه أو ابنته بالنّار» (سفر تثنية الاشتراع 18 : 10)
يروي المؤرّخ الروماني تاقيطس (55-120) أنّ اليهود كانوا يفضلون دفن موتاهم على حرقهم.
عادة، يتمّ غسل جسد الميت، وقصّ شعره، وحلق ذقنه، ورشّ العطور عليه، وتلبيسه الثياب. هناك واقعتين، في العهد الجديد، تدلان على أنّ الميت لا بدّ من أن يكون لابسًا الثياب : إحياء إبن ارملة نائين (لوقا 7 : 11-17)، وإحياء طابيثة في يافا، على يد بطرس الرسول (أعمال الرسل 9 : 36-43)، وفي هذا الأخير إشارة إلى غسل الجسد.
غالبًا ما كان يتمّ إغلاق عيني الميت:
«يوسف هو الذي يُغمض عينيك» (سفر التكوين 46 : 4)
إذا كان الميت رضيعًا دون الثلاثين يومًا، كان يقتاد بالأيدي. وإذا كان ما بين الشهر والسنة، فكان يوضع في نعش. وإذا كان ما فوق السنة، كان يوضع على حمالة:
«ومشى داود الملك وراء الحمالة» (سفر صموئيل الثاني 3 : 31)
كان من الممكن استعمال النعوش لنقل الميت إلى أماكن بعيدة. وكان إبن ميمون (1135-1204)، الفيلسوف اليهودي، يوصي باستعمال نعوش من خشب. في أيامنا هذه، في إسرائيل، تنقل الجثث على حمالات ولا تستعمل النعوش إلاّ للجنود، وفي هذه الحال يكون النعش من خشب، بسيطًا ومتواضعًا.
كان الموتى يدفنون ومعهم مؤونة من الطعام وأشياء ثمينة كانوا يملكونها. وكان الميت ملقيًا على الظهر، والكوعان متباعدين، واليدان مكتوفتين على أسفل البطن. وقد تأكدت هذه الوضعية من خلال هياكل عظمية للاسينيين تمّ اكتشافها خلال الحفريات في قمران. ويشار إلى أنّ هذه الوضعية شبيهة بوضعية رجل كفن تورينو.
كان رائجًا لمّ العظام ووضعها في أماكن مخصّصة لها. وكانت تحرق الطيوب خلال المأتم:
«فأضجعوه في سرير كان مملوءًا أطيابًا وأصنافًا عطرة، بحسب صنع العطّارين، وعملوا له حريقة عظيمة جدًا» (سفر الأخبار الثاني 16 : 14)
«الأطياب التي أحرقت لآبائك الملوك الأوّلين الذين كانوا قبلك يُحرق لك مثلها» (سفر إرميا 34 : 5)
يروي فلافيوس يوسيفس أنّه خلال مأتم الملك هيرودوس كان خمسمائة خادم يحملون العطور.
ما قيل عن استعمال العطور يعطي تفسيرًا منطقيًا للطيوب التي أتى بها نيقوديمس:
«وجاء نيقوديمس أيضًا، وهو الذي ذهب إلى يسوع ليلاً من قبل، وكان معه خليط من المرّ والعود مقداره نحو مائة درهم» (يوحنا 19 : 39)
من جهة أخرى، كشفت الحفريات التي جرت في الكتكومب اليهودية في الفيلا تورلونيا بروما، أنّ القبور كانت مطلية بطلاء من المعجون الكثيف المستخرج من الصبر Aloes ومن نباتات عطرية آخرى غير معروفة بعد.
كان بعض الربّانيّون يسمحون بغسل الجثة يوم السبت، شرط عدم تحريك أي جزء من الجسم. بعضهم الآخر كان يوصي باستعمال قطعة واحدة من القماش لدى دفن الاشخاص الذين اعدمتهم السلطات، وهذا ربّما ما قد يفسر استعمال الكفن لدفن يسوع.
- الحداد لمدة سبعة أيام:
«وأقام يوسف لأبيه مناحةً سبعة أيّام» (سفر التكوين 50 : 10)
- الصوم والامتناع عن تنظيم المأدبات:
«وأخذوا عظامهم ودفنوها تحت الطّرفاء التي في يابيش، وصاموا سبعة أيّام» (سفر صموئيل الأول 31 : 13)
«وناحوا وبكوا وصاموا إلى المساء على شاول ويوناتان ابنه وعلى شعب الربّ وبيت ىإسرائيل، لأنّهم سقطوا بالسّيف» (سفر صموئيل الثاني 1 : 12)
- نزع الحلي:
«فلمّا سمع الشعب هذا الكلام المرّ، حزن ولم يجعل أحد زينته عليه» (سفر الخروج 33 : 4)
- الامتناع عن غسل الجسد وعن استعمال العطور:
«...فنهض داود عن الأرض واغتسل وتطيّب وغَيّر ثيابه.» (سفر صموئيل الثاني 12 : 20)
- ضرب الصدر:
«إلطمن على الثّديّ» (سفر أشعيا 32 : 12)
- وضع التراب على الرأس:
«فمزّق يشوع ثيابه وسقط على وجهه إلى الأرض قدّام تابوت الربّ إلى المساء، هو وشيوخ إسرائيل، ووضعوا التراب على رؤوسهم» (سفر يشوع 7 : 6)
- حلق شعر الرأس واللحى:
«فقام أيّوب وشقّ رداءه وحلق شعر رأسه» (سفر أيوب 1 : 20)
«في ذلك اليوم دعا السيّد ربّ القوّات إلى البكاء والنحيب وحلق الشّعر والتحزّم بالمسح» (سفر أشعيا 22 : 12)
- إرتداء المسوح أو ملابس خاصّة بالحداد:
«قال داود ليوآب ولكلّ الشعب الذي معه: مزّقوا ثيابكم وتمنطقوا بالمسوح ونوحوا أمام أبنير» (سفر صموئيل الثاني 3 : 31)
«...وأتى من هناك بامرأة حكيمة وقال لها: تظاهري بالحزن والبسي لباس الحداد ولا تتطيّبي» (سفر صموئيل الثاني 14 : 2)
- تمزيق الملابس:
«ومزّق يعقوب ثيابه وشدّ مسحًا على حقويه وحزن على ابنه أيّامًا كثيرة» (سفر التكوين 37 : 34)
«فمزّق يشوع ثيابه وسقط على وجهه إلى الأرض قدّام تابوت الربّ إلى المساء» (سفر يشوع 7 : 6)