ملاحظة الناشر
يقدّم العالم يان ولسون فرضية انتقال الكفن من أورشليم إلى إديسّا حيث ظهر تحت تسمية «الصورة غير المصنوعة بيد إنسان» التي اشتهرت بها المدينة في القرون الأولى، مستندًا إلى رواية أوسابيوس القيصري. لكنّ أوسابيوس لم يأت على ذكر تلك «الصورة» بل إكتفى بالكلام عن رسالة وجهها الملك أبجر إلى المسيح يسوع، طالبًا منه المجيء إليه ليشفيه من المرض الذي يعاني منه، وجواب تلقّاه الملك من المسيح، يعده فيه بإرسال أحد تلاميذه ليشفيه، وتأمين الخلاص لنفسه ولكلّ بيته. وفيما يلي ما كتبه أوسابيوس عن الموضوع:
لَمّا ذاعت أنباء لاهوت ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح في الخارج، بين كلّ البشر، بسبب قوّته الصانعة العجائب، جذب أشخاصًا لا حصر لهم من الممالك الأجنبيّة، البعيدة عن اليهوديّة، ممن كانوا يرجون الشفاء من أمراضهم، ومن كلّ أنواع الآلام.
فمثلاً الملك أبجر، الذي حكم الأمم التي وراء نهر الفرات بمجد عظيم، إذ أصيب بمرض مروّع، عجزت عن شفائه كلّ حكمة بشريّة، وسمع باسم يسوع ومعجزاته، التي شهد بها الجميع بلا استثناء، أرسل إليه رسالة مع مخصوص، ورجاه أن يشفيه من مرضه.
على أنّه، في ذلك الوقت، لم يجبه إلى طلبه، ومع ذلك حسبه مستحقًا أن ترسل إليه رسالة شخصيّة، قال فيها إنّه سيرسل أحد تلاميذه لشفائه من مرضه، وفي نفس الوقت وعده بالخلاص لنفسه ولكلّ بيته.
ولم يمض وقت طويل حتّى تحقّق وعده. لأنّه بعد قيامته من الأموات وصعوده إلى السماء، أرشد الوحي توما، أحد الرسل الأثني عشر، فأرسل تداوس، الذي كان أيضًا ضمن تلاميذ المسيح السبعين، إلى إديسّا، ليكرز ويبشّر بتعاليم المسيح، وعلى يديه تمّ كلّ ما وعد به مخلّصنا.
ولديكم الدليل المكتوب على هذه الأمور مستمدًا من سجلاّت إديسّا، التي كانت في ذلك الوقت مدينة ملكيّة، لأنّه قد وُجدت تلك الأمور محفوظة إلى الوقت الحاضر في السجلات العامّة الرسميّة المتضمنة بيانات عن العصور الغابرة وعن أعمال أبجر. وليس شيء أفضل من أن تسمعوا الرسائل نفسها التي أخذناها من السجلاّت الرسميّة، وترجمناها حرفيًا من اللغة السريانيّة على النحو التالي.
رسالة الملك أبجر إلى يسوع، أرسلها إليه في أورشليم على يد حنانيا الساعي الخفيف الحركة
السلام من أبجر، حاكم إديسّا، إلى يسوع المخلّص السامي، الذي ظهر في مملكة أورشليم.
لقد سمعتُ أنباءك وأنباء آيات الشفاء التي صنعتها، بدون أدوية أو عقاقير، لأنّه يُقال إنّك تجعل العمي يبصرون، والعرج يمشون، وإنّك تطهّر البرص، وتخرج الأرواح النجسة والشياطين، وتشفي المصابين بأمراض مستعصية، وتقيم الموتى.
وإذ سمعتُ كلّ هذه الأمور عنك، استنتجتُ أنّه لا بدّ أن يكون أحد الأمرين صحيحًا: إمّا أن تكون أنتَ الله، وإذ نزلت من السّماء، فإنّك تصنع هذه الأمور؛ أو تكون أنت ابن الله، إذ تصنع هذه الأمور.
لذلك، كتبتُ إليك لأطلب أن تكلّف نفسك مؤونة التعب، لتأتي إليّ، وتشفيني من المرض الذي أعانيه. لأنّني سمعتُ أنّ اليهود يتذمّرون عليك، ويتآمرون لإيذائك. ولكنّني لديّ مدينة جميلة جدًا، ولو أنّها صغيرة، لكنّها تتّسع لكلينا.
جواب يسوع إلى الملك أبجر على يد حنانيا الساعي الخفيف الحركة
طوباك يا مَن آمنتَ بي من دون أن تراني، لأنّه مكتوب عنّي أنّ الذين رأوني لا يؤمنون بي، أمّا الذين لم يروني فيؤمنون ويخلصون. أمّا بخصوص ما كتبت إليّ عنه لكي آتي إليك، أنا ملزم بأن اتمّ هنا كلّ الأشياء التي من أجلها أرسلت، وبعد إتمامها، أصعد ثانية إلى من أرسلني. ولكنني، بعد صعودي، أرسل إليك أحد تلاميذي ليشفيك من مرضك، ويعطي حياة لك ولمن لك.
ملحــــق
إنّ الصكوك في إديسّا تشتمل، بالإضافة إلى هاتين الرسالتين، على ما يلي:
وبعد صعود يسوع، فإنّ يهوذا الذي يُدعى أيضًا توما أرسل إليه تداوس الرسول أحد السبعين، ولمّا أتى سكن مع طوبيا بن طوبيا، ولمّا ذاع خبره، قيل لأبجر إنّ أحد رسل يسوع أتى كما سبق أن كتب إليه.
عندئذ بدأ تداوس يشفي كلّ مرض، وكلّ ضعف، بقوّة الله، حتّى تعجّب الجميع. ولمّا سمع أبجر بالأعمال العظيمة التي صنعها، وآيات الشفاء التي أجراها، بدأ يشتبه بأنّه هو الذي كتب إليه عنه يسوع قائلاً: بعد صعودي أرسل إليك أحد تلاميذي ليشفيك.
لذلك استدعى طوبيا الذي كان يسكن معه تداوس وقال: قد سمعتُ أنّ شخصًا ذا سلطان أتى وهو يسكن في بيتك. أحضره إليّ. فأتى طوبيا إلى تداوس وقال له: إستدعاني الحاكم أبجر وأخبرني أن آخذك إليه لكي تشفيه. فقال تداوس: سأذهب لأنّني أُرسلتُ إليه بسلطان.
ومن ثمّ قام طوبيا مبكرًا في اليوم التالي، وأخذ تداوس وأتى إلى أبجر. ولمّا أتى، كان الأشراف حاضرين وقائمين حول أبجر. وحالما دخل ظهرت رؤيا عظيمة لأبجر في وجه الرسول تداوس. ولمّا رآها أبجر انطرح أمام تداوس، بينما تعجّب كلّ الواقفين، لأنّهم لم يروا الرؤيا التي ظهرت لأبجر وحده.
ثمّ استعلم من تداوس إن كان هو حقًّا تلميذًا ليسوع، إبن الله، الذي قال له سأرسل إليك أحد تلاميذي ليشفيك ويعطيك الحياة. فقال تداوس: لأنّك آمنتَ بمن أرسلني إيمانًا قويًا فقد أُرسلت إليك. وأكثر من هذا، إن كنتَ تؤمن به، يمنح لك سؤل قلبك حسب إيمانك.
فقال له أبجر: لقد آمنتُ به حتّى إنّني وددتُ أن أجرّد جيشًا وأهلك أولئك اليهود الذين صلبوه لو لم يؤخرني عن ذلك سلطان الرومانيين. فقال تداوس: لقد تمّم ربّنا إرادة أبيه، وإذ تمّمها أصعد إلى أبيه. فأجاب أبجر: وأنا أيضًا آمنتُ به وبأبيه.
فقال له تداوس: ولذلك أضع يدي عليك باسمه. ولَمّا فعل ذلك، شفى أبجر في الحال من المرض والآلام التي كان يعانيها.
فذهل أبجر لأنّه، كما سمع عن يسوع، نال الشفاء على يدي تلميذه تداوس، بدون دواء أو عقاقير، وليس هو وحده، بل أيضًا أبدوس بن أبدوس، الذي كان مصابًا بالنقرس (داء المفاصل)، والذي أتى هو أيضًا إليه، وسقط عند قدميه، فشفى، إذ نال البركة بوضع يديه. ولقد شفى تداوس الكثيرين من سكان المدينة، وصنع عجائب وأعمالاً مدهشة، وكرز بكلمة الله.
وبعد ذلك قال أبجر: أنت يا تداوس تصنع هذه الأمور بقوّة الله، ونحن نتعجّب. ولكنّني، علاوة على هذه، أتوسّل إليك أن تخبرني عن مجيء يسوع، كيف ولد، وعن قوّته، وبأيّة قوّة كان يجري تلك الأعمال التي سمعتُ عنها.
فقال تداوس: الآن سألتزم الصمت فعلاً، طالما كنتُ قد أرسلتُ لإذاعة الكلمة جهارًا. ولكن غدًا إجمع كلّ مواطنيك، فأكرز في حضورهم، وأغرس بينهم كلمة الله عن مجيء يسوع، وكيف ولد، وعن رسالته، ولأيّة غاية أُرسل من قبل الآب، وعن قوّة أعماله، والأسرار التي أذاعها في العالم، وبأيّة قوّة عمل هذه الأمور، وعن تعليمه الجديد، وإنكاره لذاته وتواضعه، وكيف تنازل ومات وحجب لاهوته، وصُلب، ونزل إلى الجحيم، وحطّم المتاريس التي لم تكن قد تحطمت منذ الأزل، وأقام الموتى، لأنّه نزل وحده، ولكنّه قام مع كثيرين، وهكذا صعد إلى أبيه.
وعلى ذلك، أمر أبجر مواطنيه للاجتماع في الصباح الباكر لسماع كرازة تداوس، وبعد ذلك، أمر بأن يُعطى فضّة وذهبًا، لكنّه رفض قائلاً: إن كنّا قد تركنا ما هو ملك لنا، فكيف نأخذ ما هو لغيرنا؟
هذه الأمور تمّت في السنة الثلاثمائة والأربعين، وقد دوّنتها هنا في موضعها المناسب منقولة عن السريانيّة حرفيًا، وأرجو أن تؤدّي خدمة نافعة.
* يُعتبر أوسابيوس القيصري (263-339) من أقدر المؤرّخين وأسبقهم للعصور المسيحيّة الأولى. عانى من اضطهاد الأمبراطور الروماني ديوقليتيانُس (245-313) وسُجن فترة في مصر. أُقيم أسقفًا على قيصريّة فلسطين، وشارك في مجمع نيقيا الأوّل (325) حيث ألقى الكلمة الافتتاحيّة، لكنّه، لاحقًا، أظهر ميولاً آريوسيّة. اشتهر بكتابه «التاريخ الكنسي» الذي يسرد فيه تاريخ الكنيسة منذ بدايتها حتّى العام 324، ومنه نأخذ رواية أبجر، ملك إديسّا. راجع: تاريخ الكنيسة، تأليف يوسابيوس القيصري، ترجمة القمص مرقس داود، مكتبة المحبّة، مصر، طبعة ثالثة، 1998، صفحة 45 - 48.