ملاحظة الناشر
يؤلّف السنكسار الماروني رواية متكاملة بالاستناد إلى ما ورد في المراجع التاريخيّة القديمة، عند أوسابيوس القيصري والرحّالة إيجيريا ويحيى الأنطاكي وابن العبري وغيرهم، آخذًا من مرجع ما، ما فات المرجع الآخر ذكره، لتكتمل الرواية. وتحتفل الكنيسة المارونيّة بتذكار رسالة أبجر الملك إلى السيّد المسيح في اليوم الثامن عشر من شهر آب، وتقرأ ما ورد في السنكسار كما يلي:
قيل أنّ أبجر كان ملكًا على مدينة الرّها، سمع بالآيات التي كان يصنعها السيّد المسيح في أورشليم. وبما أنّه كان مريضًا، كتب إلى المسيح رسالة، بها يستدعيه إليه، ومضمون الرسالة ما سمع من معجزاته. لذلك اعترف أبجر بالمسيح، وآمن أنّه ابن الله، نزل من السّماء، وختم رسالته هذه بقوله للمسيح: «لهذا أدعوك أن تأتي وتشفي ما بي من الأمراض، وإنّما أقدّم لك مدينتي، فهلمّ اسكن معي، تأمن شرّ اليهود الذين يريدون قتلك».
فأجابه السيّد المسيح، قال: «طوبى لك، يا أبجر الملك، لأنّك آمنتَ بي قبل أن تراني، فاستحققتَ الحياة الأبديّة، إلاّ أنّه يجب عليّ أن أكمل الأعمال التي لأجلها أرسلت، ثمّ أرجع إلى الذي أرسلني، وعليه لا يمكنني المجيء إليك، فأعدك بأنّي، بعد صعودي، أرسل إليك أحد تلاميذي فيشفيك، ويمنحك الحياة ولمن كان مثلك، أمّا مدينتك فلتكن مباركة لكَ وفائزة بالنصر».
وكان الملك أبجر قد طلب من رسوله حنانياس1 المصوّر أن يأتيه بصورة السيّد المسيح إذا تعذّر مجيئه إليه. فأعطى المسيح حنانياس الرسول صورة وجهه مرسومة على منديل نشف به وجهه، وهي غير مصنوعة بيد بشريّة. فجاء بها حنانياس إلى مَلِكه، فشفي هذا من مجرّد لمسه إيّاها. وكانت محفوظة بإكرام أجيالاً طويلة في مدينة الرّها، يقدّم لها المؤمنون الإكرام، ويشفون بواسطتها من أمراضهم، وقد أنقذت مرارًا مدينة الرّها من الأعداء. وذكرها بعض الآباء القدّيسين، كيوحنا الدمشقي وغيره، بمحاماتهم عن تكريم الأيقونات2. ثمّ نقلت هذه الصورة بأمر الملك رومانُس3 إلى مدينة القسطنطينيّة، وبقيت مكرّمة في كنيستها الكبرى آجيا صوفيا حتّى سنة 9444 ومنها إلى كنيسة «هوذا الرجل»Ecce Homo) 5) . وبعد ذلك بأجيال نُقلت إلى روما، وهي الآن محفوظة بكلّ إكرام في دير القدّيس سيلفسترس6.
أمّا إرسال هذه الصورة مع الرسالة إلى أبجر الملك، فكان نحو السنة الحادية والثلاثين للمسيح. وفي السنة 43 ذهب الرسول تادي7 إلى الرّها وبشّر فيها وعمّد الملك وأهل مدينته.
* السنكسار بحسب طقس الكنيسة الأنطاكيّة المارونيّة، إعداد الأب بولس ضاهر، منشورات جامعة الروح القدس-الكسليك-لبنان، طبعة ثانية منقحة ومزيد فيها، 1988، الصفحة 223-224.
1 حنانيا في مراجع أخرى.
2 وصلنا تقليد قديم مفاده أنّ أبجر ملك الرّها سمع كلامًا عن الربّ فاضطرم حبًّـا لله وأوفد إليه رسلاً ليسألوه زيارته، وأمر، إذا ما رفض ذلك، بأن ترسم صورته رسمًا. وإذ علم العارف كلّ شيء والكلّي القدرة بهذا، أخذ القماش، وإذ أدناه من وجهه طبع عليه هيئته الخاصّة التي حفظت إلى أيّامنا. (القدّيس يوحنا الدمشقي، الدفاع عن الأيقونات المقدّسة، دير سيّدة حماطورة، لبنان، 1997، ص 81).
3هو الأمبراطور البيزنطي رومانس الأوّل لوكابينس (920-944).
4إنّها السنة الواردة في الميناون الأرثوذكسي لكنّ التكريم لم يكن عادة في آجيا صوفيا إلاّ في حالة التطواف ولمدّة قصيرة.
5المعروف أنّ كنيسة «هوذا الرجل» تقع في أورشليم، وربما كانت هناك كنيسة أخرى على هذا الاسم في القسطنطينية. لا يذكر التاريخ بأنّ «الصورة» غادرت القسطنطينيّة إلى أورشليم!
6يقع الدير في محيط الكويرينالي، مركز رئاسة الجمهوريّة الإيطاليّة، ويخدمه الآباء اللعازريون. ويعود بناؤه إلى القرن التاسع. لا ذكر لـ «الصورة» في المعلومات المتوافرة عن الدير ومحتوياته؟
7تدّاوس في مراجع أخرى.