ورث عن أمّه تعبّدَا عميقًا للكفن. حمله بيديه أثناء العرض العلني الذي جرى في تورينو في الرابع من أيار العام ١٦١٣. كان الطقس حارًا، وكان هو متأثرًا جدًا، بحسب قول أخيه. وفي العام التالي، بعث برسالة* إلى القدّيسة جان دي شنتال، يعرض فيها انطباعاته في هذا اليوم المبارك، ويقول:
أيّتها الأّم العزيزة،
في انتظار أن يتمّ اللقاء بيننا، روحي تُحيّي روحك بألفِ وألفِ أُمنية. أَفعم الله نفسك كلّيًّا بحياة ابنه، سيّدنا، ومماته.
منذ عام، وفي مثل هذا الوقت، كنتُ في تورينو. وبينما أنا أَعرُضُ الكفن المقدَّس وسط جَمْعٍ كبير، تَساقطت من وجهي عدّة قَطَرات من العرق، وصلت إلى داخل الكفن المقدّس. وعليه، أَطلقَ قلبنا هذه الأُمنية: آه يا مخلِّص حياتي، لَيتَكَ تَمزُجُ عَرَقي غير المستحقّ بعرَقِكَ، وتُبَلِّل دَمي وحياتي وعواطفي باستحقاقات عرقك المقدّس.
لقد اغتاظ الكردينال الرئيس لأنّ عرقي كان يقطر على كفن مخلّصي المقدَّس. غير أنّه خطر على بالي أن أقول له إنّ سيّدنا لم يكن رقيق الشّعور إلى هذا الحدّ، وإنّه لم يُرِق عرقًا ولا دمًا إلاّ ليمزجهما بعرَقنا ودمنا، وذلك كي يهبنا جزاء الحياة الأبديّة. عسى أنّ تقترن تنهّداتنا بتنهّداته، لترتفع رائحة عذبة أمام الآبّ الأّزلي.
ولكن، ما هذه الذكريات التي تمرّ الآن في بالي؟ فلقد تذكَّرتُ لَمَّا كان إخوتي يَمرضون في صِغَرهم، كانت والدتي تَجعَلُهُم يرقدون ملتحفين قميص والدي، لإنّ عرق الآباء يحمل الشفاء للأولاد، كما كانت تقول. آه، فليَرقد قلبنا، في هذا اليوم المبارك، داخل كفن أبينا الإلهيّ، مُجَلَّلاً بعرقه ودمه، وليبقَ هناك مدفونًا في القبر، كما في مماتِ مخلِّصنا الإلهيّ، وذلك بعزمٍ ثابتٍ على البقاء ميتًا إلى أن يقوم بالمجد الأبديّ.
قال الرسول: لقد دُفِنَّا مع يسوع المسيح في موته، كيلا نعود إلى الحياة القديمة، بل نحيا حياة جديدة، آمين.
آنُسي Annecy، في ٤ أيار ١٦١٤
* نقلها الى العربية، فارس حبيب ملكي، عن النسخة الأصلية التي أُرسلت له من دير الزيارة، شارع دانفير روشيرو، باريس، فرنسا.