نيسان 2011
لَمّا صدر التقرير الرسميّ لفحص الكربون 14، ونُشر في مجلّة ناتشور Nature العلميّة الإنكليزيّة، في عددها الصادر في 16 شباط 1989، كان الباحث البريطاني، الدكتور تيموتي جول Timothy Jull ، الأستاذ في معهد علوم الأرض Geoscience التابع لجامعة أريزونا في مدينة توسّون Tucson الأميركيّة، أحد الموقّعين على التقرير، وأحد المشاركين في الفحص الذي جرى في مختبرات الجامعة.
بعد أكثر من عشرين سنة على هذا الحدث، يعود الدكتور جول ليؤكّد صحّة النتائج التي توصّل إليها مع زملائه، بعد قيامه بفحوصات جديدة على قطعة صغيرة جدًّا من الكفن، كان قد اقتطعها من العيّنة التي سُلّمت إليه العام 1988 لإخضاعها لفحص الكربون 14، وحفظها سالمة. عاونه في تلك الفحوصات راشيل فريرواترز Rachel A. Freer-Waters ، ونشر النتائج في عدد كانون الأوّل 2010 من مجلّة راديوكربون Radiocarbon ، الصادرة عن الجامعة المذكورة، يخلص فيها إلى القول بأنّه :
- لا دليل لمعارضة القول بأنّ العيّنة المقتطعة من الكفن لإخضاعها لفحص الكربون 14 ، العام 1988، أخذت من الجزء الأساسي للكفن.
- لا دليل على وجود دهانات أو أصباغ في العيّنة المذكورة.
- هناك بعض المواد الملوّثة، لكن بكميّة قليلة جدًّا لا تؤثّر على النتائج المعلنة.
حصل هذا المقال، الصادر في عيد ميلاد المسيح يسوع، والذي تناقلته وسائل الإعلام في أوروبا والولايات المتحدة الأميركيّة، ومنها مجلّة Sciences et Avenir الفرنسيّة، في عددها الصادر في كانون الثاني 2011، على ردود فعل شاجبة من السندونولوجيّين، نختصرها بما يلي:
- بالعودة إلى العام 1988، لَمّا جرى فحص الكربون 14، تمّ انتهاك البروتوكول الموقّع بين المختبرات والحارس البابوي للكفن، رئيس أساقفة تورينو آنذاك، الكردينال أنستازيو بالِستريرو، بعد أن قام مختبر زوريخ بتسريب النتائج قبل انتهاء المختبرَين الأخَرين من القيام بفحوصاتهما، وقبل أن يتسلّم الكردينال النتائج النهائيّة، وبالتالي أعطى الفرصة إلى المختبرَين الأخَرين لـ «تظبيط» نتائجهما كي تتوافق مع نتائج مختبر زوريخ، حرصًا على سمعتهم جميعًا. ومن المتابعين لمجرى الأمور من أكّد وجود غشّ واحتيال وتلاعب في العيّنات؟!
- اقتُطعت العيّنة من زاوية الكفن الأكثر تعرّضًا للتلوث، وهو المكان الذي كان يُمسك به الكفن بأيدي الأحبار، أثناء العروضات العلنيّة، ما تثبته العشرات من الرسومات والنقوش القديمة، ولو قال الدكتور جول بأنّ التلوّث خفيف.
- قدّم المختبرات الثلاثة نتائج مختلفة، ولو كانت متقاربة، ما حثّ السندونولوغ البلجيكي ريمي ڨان هلست على تحليل المعلومات الصادرة عن المختبرات، وتطبيق «اختبار خي 2» chi-squared test عليها، وهو الاختبار الذي يستعمله علماء الإحصاء للمقارنة بين عيّنات مختلفة خضعت للفحص نفسه، لتبيان التجانس في ما بينها، والمطلوب أن تكون النتيجة أقلّ من 6. أمّا في حالة الكفن، فكانت النتيجة 6.4 ، ما يعني بأنّ العيّنات الثلاثة التي سُلّمت إلى المختبرات الثلاثة لم تكن متجانسة، وبالتالي لا صفة تمثيليّة لها بالنسبة إلى نسيج الكفن بأكمله.
- لا تتوافق نتائج الفحص مع الوثائق التاريخيّة التي تثبّت وجود الكفن قبل التاريخ الذي أعطاه الفحص، ما بين العام 1260 والعام 1390، مثل شهادة روبير دو كلاري الذي رأى الكفن في القسطنطينيّة العام 1204 وأخبر عنه؛ ومخطوط پراي Codex Pray ، المحفوظ في المكتبة الوطنيّة في بودابست (هنغاريا)، الذي يعود تاريخه إلى أواخر القرن الثاني عشر (العام 1190)، ويحتوي على عدّة منمنمات عن صلب المسيح، وإيداعه في القبر، فيها تفاصيل مطابقة للآثار التي نراها على الكفن، ما يدلّ على أنّ رسّام تلك الأيّام كان على علم بوجود الكفن، واستطاع معاينته عن قرب؛ وعظة غريغوريوس، المتقدّم بين شمامسة القسطنطينيّة، في استقبال «الصورة غير المصنوعة بيد إنسان»، العام 944؛ وغيرها من الوثائق.
- لا يوجد أيّ سبب منطقي لاستبعاد التلوّث من العيّنة المقتطعة، بخاصّة بعد الوقوف عند الملاحظات التالية:
... صرّح جيوفاني ريجي دي نومانا، الذي قام بنفسه باقتطاع العيّنة المطلوبة، ما يلي: «لقد سُمح لي باقتطاع 8 سنتيمترات مربّعة من قماش الكفن، لكنّها صارت، في الواقع، 7 سنتيمترات مربّعة، بعد أن تبيّن لنا وجود ألياف من مصادر مختلفة اختلطت مع نسيج الكفن الأصلي»؟؟؟
... وأكّد هذا الأمر جيورجيو تيسّوري، مقرّر اللجنة الفاحصة، بقوله: «تمّ طرح مساحة سنتيمتر مربّع واحد من العيّنة المقتطعة جانبًا، بسبب احتوائها على خيوط اختلفت ألوانها عن ألوان نسيج الكفن الأصلي»؟؟؟
... وجيلبر رايس Gilbert Raes ، الأستاذ في معهد غانت Gent للنسيج في بلجيكا، الذي كان أوّل مَن فحص نسيج الكفن في العام 1973، وسُمح له باقتطاع أربع عيّنات، لاحظ وجود بعض ألياف من القطن في النسيج؟؟
... وآلان آدلر، عضو فريق الستارب، الذي لاحظ وجود آثار من مادة الألومنيوم في العيّنة المقتطعة، والألومنيوم يدخل في صناعة الأصباغ؟؟؟
... وماذا عن دراسات راي روجرز، عالم الكيمياء الأميركي، الذي أثبت أنّ المواصفات الكيميائيّة للعيّنة المقتطعة تختلف عن المواصفات الكيميائيّة لنسيج الكفن؟؟؟
ومن المرجّح أنّ التلوّث هو السبب الأساسي الكامن وراء النتيجة الخاطئة التي أعطاها فحص الكربون 14. أمّا أسباب التلوّث فيمكن تلخيصها بأحد الأسباب الثلاثة:
1- إشعاع غريب، وغير مألوف، وفريد من نوعه صدر عن جسم المسيح الميت. هل هو ما يسمّيه المسيحيّون نور القيامة أم هو نوع غير معروف من الطاقة يجهد العلماء الآن بتقصي مصدره وكيفية انبعاثه؟
2- تأثيرات الحريق الذي تعرّض له الكفن في العام 1532.
3- وجود رقعة قماشيّة من القرون الوسطى، خيطت بطريقة غير منظورة، لتصليح طرف الكفن.
والنتيجة النهائيّة أنّ ما قدّمه تيموتي جول لم يقنع أحدًا من السندونولوجيين... ويبقى النقاش العلمي والموضوعي قائمًا.
أعطى المونسينيور إيلي يغيان، رئيس كهنة كاتدرائيّة غريغوريوس المنوّر وإيليا النبي للأرمن الكاثوليك في بيروت، مقابلة لموقع «النشرة» الالكتروني، صدرت في 8 شباط، وتبعها مقابلة أخرى لقناة التلفزيون اللبنانيّة أو تي ڨي، بثّت في نشرة الأخبار، في 14 شباط، يتكلّم فيهما عن النسخة طبق الأصل للكفن المقدّس المعروض بشكل دائم في الكاتدرائيّة، بطريقة تفتقر إلى الدقّة العلميّة، ما ولّد بعض الالتباسات والشكوك لدى المؤمنين.
ما لفت انتباهنا، مثلاً، قوله بأنّ «الكفن الأصلي ضاع» وما هو موجود في تورينو «شبيه بالكفن الأصلي» وما هو موجود في بيروت «شبيه بالكفن الموجود في تورينو» وغيرها من المغالطات التي خدشت آذاننا، وجاءت مشوّهة للواقع العلمي والتاريخي.
إنّ الكفن الأصلي لم يضع، وهو موجود في تورينو منذ أكثر من أربعماية سنة، جيء به إليها من مدينة شامبيري الفرنسيّة، وكان قبلها في قرية ليريه الفرنسيّة منذ العام 1355، وفي القسطنطينيّة حيث استولى عليه الصليبيون العام 1204، وكان قد جيء به إليها سابقًا... كما أنّ جميع الدراسات الرصينة التي أجريت عليه تشير بأنّه من المستحيل أن يكون هذا الكفن لإنسان آخر غير يسوع المسيح.
لم ينتظر الكردينال راتزينغر وصوله إلى السدّة البابويّة ليتكلّم عن كفن المسيح في تورينو بشكل إيجابيّ.
ففي خطابه إلى المؤتمر الذي دعت إليه حركة «اتحاد وتحرّر» المنعقد في مدينة ريميني Rimini الإيطاليّة، في شهر آب العام 2002، يقول الكردينال راتزينغر، رئيس مجمع العقيدة والإيمان، ما يلي:
«...الذي هو الجمال بذاته، ترك ذاته كي يبصقوا في وجهه، ويلطموه، ويكلّلوه بالشوك... يمكننا أن نتخيّل ما جرى له، لكنّ كفن تورينو يساعدنا على رؤية ما حصل بشكل واقعي».
وفي التأملات التي أعدّها لدرب الصليب الذي أقيم في الكولوسيو- روما يوم الجمعة العظيمة العام 2005، وترأسه البابا يوحنا بولس الثاني، كتب في المرحلة الحادية عشرة ما يلي:
«يسوع مسمّر على الصليب... إنّ كفن تورينو يكوّن لدينا فكرة عن بربريّة هذا الأسلوب غير المعقولة».
وما أن انتخب بابا على الكنيسة الكاثوليكيّة، تحت اسم بنديكتُس السادس عشر، حتّى سمح بإجراء العرض العلني للكفن الذي أقيم في تورينو، في أيار 2010، وقد حجّ إليها البابا، وأمضى فيها يومًا كاملاً، زار فيه الكفن المعروض، واحتفل بالذبيحة الإلهيّة مع الشبيبة في ساحة المدينة، وزار مأوى العجزة والفقراء، وقد أعددنا تقريرًا مفصلاً عن هذه الزيارة.
وها هو يتكلّم عن الكفن مرّة أخرى، في الجزء الثاني من كتابه «يسوع الناصري» حيث يقول:
«فيما الإزائيّون يتكلّمون عن قطعة من كتّان، بالمفرد، يتكلّم يوحنا عن لفائف من كتّان، بالجمع (راجع يوحنا 19 : 40)... إنّ مسألة المطابقة بين هاتين الروايتين، من جهة، وكفن تورينو، من جهة أخرى، لا لزوم للتوقّف عندها، لأنّ شكل هذه الذخيرة يمكنه، بالمبدأ، التناغم مع هاتين الروايتين».
نلفت النظر إلى قول بنديكتُس، في الجزء الثاني من كتابه «يسوع الناصري»، وللمرّة الأولى على لسان أحد البابوات، بأنّ الكفن هو «ذخيرة»، ما يعطي قيمة معنويّة كبيرة له، وربّما اعترافًا من السلطة الكنسيّة بأنّه يعود فعلاً إلى الربّ يسوع. لذلك، قام المونسينيور جيوسيبي غيبارتي، رئيس اللجنة الأبرشيّة للمحافظة على الكفن، بالتعليق على الأمر، وأصدر توضيحًا تقرأونه في التقرير السابق ذكره عن زيارة البابا إلى تورينو.
- قصّة أبجر، ملك الرّها، كما وردت في السنكسار الماروني.
- معجزة صورة السيّد المسيح في بيروت
- صلب عين القضاة الهمذاني في العام 1130م.
- إشارات إلى الكفن والمنديل وأدوات الصلب في رموز الملابس الكهنوتيّة والأواني الخاصّة بالمذبح، كما تكلّم عنها البطريرك اسطفان الدويهي.
- ملاحظة المونسينيور جيوسيبي غيبارتي، رئيس اللجنة الأبرشيّة للمحافظة على الكفن، حول استعمال البابا بنديكتس السادس عشر عبارة «ذخيرة» للدلالة على كفن تورينو، في الجزء الثاني من كتابه «يسوع الناصري».
- مراجعة بعض الكتب
أيار 2011
بناءً على دعوة من «جماعة يسوع» *، قامت الخبيرة العالميّة في كفن المسيح، السيّدة إيمانويلا مارينللي، بزيارة إلى لبنان، امتدّت من الثلاثاء 5 نيسان 2011 حتّى الثلاثاء 12 نيسان 2011، بهدف التعرّف إلى البلد وطبيعته وتاريخه، وإلقاء محاضرة عن كفن المسيح.
ما أن وصلت إلى مكان إقامتها في بعبدات، حتّى جرى للسيّدة مارينللي استقبال رسميّ، في دار البلديّة، جمعها مع المسؤولين المدنيين والدينييين. ثمّ راحت، في الأيّام التالية، تجول في الأراضي اللبنانيّة كافة، من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، مكتشفة آثار لبنان، وتاريخ الكنيسة المارونيّة، وعادات الشعب وتقاليده ولباسه ومأكله. لكنّ الأهمّ من كلّ ذلك، كان قيامها بالرسالة التي كرّست نفسها من أجلها منذ أكثر من ثلاثين عامًا، ألا وهي الشهادة لآلام الربّ يسوع وقيامته، بالاستناد إلى كفن تورينو، قدّمتها في أربعة مواقع، هي:
1- في جامعة سيّدة اللويزة NDU حيث أعطت محاضرة باوربوينت، باللغة الإنكليزيّة، يوم الأحد الواقع فيه 10 نيسان 2011، الساعة 5 مساءً، أمام نسخة طبق الأصل عن كفن تورينو، جهزها صاحب الموقع للمناسبة. فبعد كلمة الترحيب التي ألقاها الأب روجيه شكري، المدير الإداري للجامعة، باسم رئيس الجامعة؛ وبعد المقدمة التي أعطاها الأستاذ طوني نصر الله، باسم «جماعة يسوع»؛ وأمام حوالي ماية وعشرين شخصًا؛ تكلّمت السيّدة مارينللي لمدّة 70 دقيقة، عارضة المستجدات الحديثة في علم الكفن، من الناحية العلميّة والتاريخيّة والبيبليّة.
ثمّ تلاها صاحب هذا الموقع، عارضًا أفكارًا جديدة للأبحاث التاريخيّة الشرقيّة، داعيًا إلى التنقيب في المصادر السريانيّة والأرمنيّة والإسلاميّة والبيزنطيّة، وخاتمًا كلامه بعرض مجسمات صغيرة لأدوات الصلب (كرباج الجلاّد الروماني، الصليب، المسامير، حربة الجندي الروماني) شارحًا كيفيّة استعمالها. إختتم اللقاء بطرح أسئلة الحضور، وسماع أجوبة المحاضرَين.
2- في كنيسة مار فوقا- غدير، بناءً على دعوة الخوري جوزف سلّوم، كاهن الرعيّة، حيث ألقت السيّدة مارينللي، أمام أبناء وبنات الرعيّة الذين احتشدوا في الكنيسة، حديثًا مشتركًا مع صاحب هذا الموقع. وُضعت على الخورس، النسخة الطبق الأصل لكفن المسيح التي أتى بها المونسينيور غيبارتي من تورينو إلى كاتدرائيّة القديس غريغوريوس المنوّر والياس النبي للأرمن الكاثوليك في وسط بيروت، بعد أن تمّ نقلها، موقتًا، إلى كنيسة مار فوقا. اختتم اللقاء، كما في جامعة سيّدة اللويزة، بعرض أدوات الصلب، وتلقّي أسئلة الحضور والإجابة عنها.
3- في جريدة النهار، في مقابلة أجرتها معها هالة حمصي، صدرت في عدد الأربعاء 20 نبسان 2011.
4- في جريدة لوريان لوجور، في تقرير جيهان فرحات عن المحاضرة في جامعة سيّدة اللويزة، العدد 13141، الصادر في 22 نيسان 2011.
على أثر الزيارة إلى لبنان، والاتصالات التي جرت على مختلف المستويات، تمّ التوافق بين السيّدة مارينللي وصاحب هذا الموقع على التحضير لمؤتمر دولي عن كفن المسيح، يُعقد في لبنان، ويتناول مختلف الجوانب التاريخيّة والعلميّة والبيبليّة لمسيرة الكفن في الشرق، أي قبل العام 1204، حين سلبه الصليبيّون من القسطنطينيّة، ونقلوه إلى الغرب. وسننقل، إلى هذا الموقع، جميع التحضيرات القائمة.
* جماعة يسوع لبناء لبنان الجديد مع يوسف ومريم. خادم الجماعة هو نفسه صاحب هذا الموقع.
يوم السبت الواقع فيه 9 نيسان 2011 عُقد مؤتمر بعنوان «قميص أرجانتوي المقدّسة وذخائر المسيح الأخرى»، من الساعة العاشرة صباحًا حتّى الساعة السادسة مساءً، في «أوتيل أوروبا» المتواضع في أرجانتوي، بعد أن رفضت البلديّة الإشتراكيّة طلب الجمعيّة المنظمة «كوستا» COSTA لاستقبال المؤتمرين في قاعاتها الفسيحة. شارك في المؤتمر 65 مندوبًا من فرنسا والبلدان المجاورة.
بدأ المؤتمر بعرض تاريخيّ مصوّر عن ذخيرة قميص أرجانتوي Tunique d'Argenteuil وعن ذخيرة «صنادل المسيح» Sandales du Christ الموجودة في مدينة بروم- ألمانيا Prüm *. ثمّ تناول الكلام سبعة محاضرين من فرنسا وإيطاليا والنمسا، وهم:
- بيار دور Pierre Dor الذي عرض بعض الوثائق العائدة إلى القرون الوسطى، والتي تؤكّد أصالة قميص أرجانتوي.
- مارسيل ألونسو Marcel Alonso الذي تكلّم عن آخر المستجدات في موضوع كفن المسيح.
- جوليو فانتي Giulio Fanti من جامعة بادوڤا- إيطاليا، ممثلاً بالسيّدة ترودل والي Traudl Wally ، التي كشفت عن أمر جديد، غير معروف بعد من عامّة الشعب، لا يعيره الفاتيكان أيّة أهميّة لغاية الآن، ألا وهو صورة وجه يسوع على الجهة الخلفيّة للكفن، تمّ اكتشافها أبّان عمليّة الترميم التي جرت في العام 2002. هذا الاكتشاف يجعل من التفسيرات العلميّة المتداولة عن كيفيّة انتقال آثار الجسم الميت على قماشة الكفن أمرًا قديمًا مرّ عليه الزمن، ويقدّم عليها نظريّة «التفريغ الهالي»** corona discharge الجديدة، التي من الصعب أن تكون ناتجة إلاّ عن ما رافق قيامة المسيح يسوع من نور وإشعاع. فيصبح الكفن، ليس فقط شاهدًا على آلام المسيح، مثل قميص أرجانتوي، بل شاهدًا على قيامته، أيضًا، وينادي العلم بالإيمان، صارخًا بوجه عالم حديث طغت عليه الشكوك.
أمّا فترة بعد الظهر، فقد كُرّست للأبحاث المتعلّقة بذخيرة «صنادل المسيح» الموجودة في دير مدينة بروم في ألمانيا، منذ أيّام الملك بيبين القصير Pépin le Bref (715-768)، والد الملك شارلمان Charlemagne . لقد قام فريق من الإختصاصيين الفرنسيين، على رأسهم أندريه ماريون André Marion وجيرار لوكوت Gérard Lucotte وبدعم من جمعيّة «كوستا»، بمعاينة الذخيرة المذكورة، وأخذ بعض العيّنات، بواسطة شرائط لاصقة، لغاية البحث عن بعض اللقاحات pollens أو أشياء أخرى تعود إلى الأراضي المقدّسة. تبدو الذخيرة على شكل حذاء بابوي يعود إلى أيّام الميروفنجيين، وفيها قطع من الجلد عليها بعض الذهب. بالواقع، سلّم البابا زكريا (+752) هذه الذخيرة إلى بيبين القصير كعربون حلف جديد بين البابويّة وسلالة الفرنجة، بدلاً عن الحلف الذي كان قائمًا مع القسطنطينيّة. وبذلك الفعل، غدت هذه الذخيرة أساس أوروبا المسيحيّة التي أنشأها الكارولنجيون. وكان لهذا الحلف دورًا حاسمًا في حماية البابوات من هجومات اللومبارديين والمسلمين وحتّى البيزنطيين، وشكّل سابقة لإنشاء دولة الڤاتيكان الحديثة.
ثمّ جاء دور السيّدة ماري كلير ڤان أوسترويك Marie Claire van Oosterwijck التي قامت بمداخلة مكتوبة بعنوان: «عشرون سنة مرّت على فحص الكربون 14، ماذا بقي منه؟» برهنت فيها إستحالة تطبيق فحص الكربون 14 على الذخائر، ولو قام بعض العلماء بتأليه هذا الفحص، غير مدركين بأنّه سيف مسلّط بين أيدي أعداء المسيح وكنيسته.
أمّا الأب الرئيس فرنسوا لوكيريه François Le Quéré مستشار أبرشيّة بونتواز Pontoise السابق، ومؤرّخ قميص أرجانتوي، فقدّم دراسة عن تاريخ الذخيرة في القرن الأوّل.
أمّا السيّدة ترودل والي Traudl Wally ، القادمة من ڤيينا، فقامت بفتح آفاق جديدة حول كفن تورينو.
إختتم اللقاء بدعوة السيّد جاك بورال Jacques Burel إلى الجهاد للمدافعة عن كفن تورينو، ووجه يسوع المقدّس، وإعلان حملة الصلاة من أجل تعظيم يسوع الملك لمواجهة عالم لاأدري، شيطاني، ضدّ المسيح، وإرسال أكبر عدد ممكن من البطاقات البريديّة إلى قداسة البابا، لمطالبته الاعتراف بأصالة كفن تورينو.
في اليوم التالي، الواقع فيه الأحد 10 نيسان، وهو الأحد الأوّل من أسبوع الآلام، قامت «كوستا» بالمسيرة السنويّة إلى قميص أرجانتوي، شارك فيها حوالي الثلاثماية شخص أتوا من أنحاء فرنسا وألمانيا والنمسا وأوكرانيا. إنطلقت المسيرة من وسط المدينة، التي يقطنها 60% من المهاجرين، معظمهم من المسلمين، ومجلسها البلدي بعهدة الحزب الإشتراكي. تقدّم المؤمنون الصليب، يليه الرايات، ثمّ الراهبات، والكشافة، وثلاثة كهنة من أخويّة القدّيس بيوس العاشر، اخترقوا شوارع المدينة، تحت شمس الربيع الساطعة. شكّل هذا الجمع دهشة كبرى للسكان، مع أنّ المدينة عرفت هذه المسيرة منذ القرون الوسطى، حين عرضت الذخيرة للعموم، للمرّة الأولى، في العام 1156، عن يد المطران هوغ داميان Hugues d'Amiens . الكثيرون من سكان أرجانتوي لا يعلمون بوجود الذخيرة في مدينتهم. حتّى السلطات الدينيّة لا تتكلّم عنها، كما لو أنّها تريد، وعن غير حقّ، التخلّي عن التراث القديم، واستبداله بآلات الغيتار الرنّانة، والحركات العصريّة، التي تدفع بالمؤمنين إلى هجرة الكنيسة، وتدفع بالسلطات المسؤولة إلى إغلاق كنيسة تلو الأخرى. ومع وصول المشاركين إلى البازيليك، ودخولهم إليها، أقاموا صلاة درب الصليب، وأنشدوا التراتيل القديمة التي كانت قد أعدّت خصّيصًا لتكريم الذخيرة، راكعين ساجدين.
والجدير ذكره، بالإضافة إلى الحجّاج المشاركين بالمسيرة السنويّة، هناك الحجّاج المياومون، الذين يختارون يومًا واحدًا في الشهر، ولمدّة 12 شهرًا، يؤمّون فيه البازيليك حيث الذخيرة، ويصلّون المسبحة أمام هذه الهبة الكبيرة، علامة حبّ الله للبشر. تقوم «كوستا» بإعطائهم كارت «الحاجّ اليومي». لقد سبق وقامت العشرات من العائلات بهذه الخدمة، واضعين أنفسهم بمثابة «حرس شرف» للذخيرة العجائبيّة، ومقتدين بقول المنزوفة التي شفيت بفضل إيمانها: «يكفي أن ألمس رداءه فأبرأ» (متى 9 : 21).
أدّت المداخلات في هذين اليومين إلى بروز مشروعين جديدين، هما:
1- توسيع المسيرة السنويّة التقليديّة إلى قميص أرجانتوي، في السنة المقبلة، بدعوة عدد أكبر من المسيحيين. للمناسبة، سيتم إمضاء عريضة دعمًا للاحتفال بالقدّاس بحسب رتبة البابا بيوس الخامس، حيث المطلوب الحصول على موافقة أكثر من خمسين شخصًا من سكّان أرجانتوي، كما يقتضيه قرار مجلس الأساقفة الفرنسيين. هكذا نستطيع ختم المسيرة بقدّاس إحتفالي، يقام على المذبح المخصّص للذخيرة، حيث لم يعد يقام عليه أيّ قدّاس منذ أكثر من خمسين عامًا. لا ينفع النحيب على قلّة النعم في فرنسا، بل يجب البحث عنها حيث تكون بوفرة.
2- تنظيم ندوة فرنسيّة- ألمانيّة في بروم-ألمانيا، العام 2013، بعنوان: «ذخائر المسيح: أساس أوروبا المسيحيّة» تسبق السنة الكارولنجيّة التي سيحتفل بها العام 2014. وتكون تحضيرًا لها. من الممكن الطلب إلى سبعة محاضرين المشاركة: 2 من فرنسا، 2 من ألمانيا، 1 من بلجيكا حيث ولد شارلمان، 1 من النمسا، 1 من إيطاليا. وكما صار هذه السنة في أرجانتوي، يمكن اختتام الندوة يوم الأحد بزياح إلى ذخيرة صنادل المسيح، التي هي ضمان أوروبا المسيحيّة وختمها، والتي علينا إعادة تأسيسها.
* تقع مدينة بروم شرقي ألمانيا، وفيها دير قديم، أسّس العام 720 ، وسكن فيه الآباء البندكتيين، واعتبر من الأديرة المفضلة لدى السلالة الكارولنجيّة.
** في الفيزياء: تفريغ يَحدث نتيجة لوجود غاز متأيّن بالقرب من موصل ما، وعندما يكون تدرّج الفلطيّة غير كاف لإحداث تفريغ الأيونات السالبة تتحرّك داخل المجال المرتفع (القاموس المزدوج، قاموس عام لغوي علمي، دار الكتب العلميّة، لبنان، الطبعة الثالثة، 2008).
بمناسبة عيد الكفن المقدّس الواقع فيه الرابع من شهر أيار [أنشأه البابا يوليوس الثاني في العام 1506] أقام المطران شيزاريه نوسيليا، الحارس البابوي للكفن المقدّس، الذبيحة الإلهيّة، في كاتدرائيّة القديس يوحنا المعمدان في تورينو، عند الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر، بحضور المتطوعين الذين شاركوا في تنظيم العرض العلني للكفن الذي أقيم السنة الماضية.
«إنّه الاجتماع الرسمي الأوّل للمتطوعين مع المطران نوسيليا، والجميع مدعوون للحضور، لابسين السترة البنفسجيّة التي تميّز خدمتهم» كما صرّح به المونسينيور غيبارتي، رئيس اللجنة الأبرشيّة للمحافظة على الكفن.
عند الساعة الثامنة والنصف مساءً، أُقيم حفل موسيقي تضمّن عزفًا على الأرغن وغناءً كلاسيكيًا. في الختام، وُضع كتاب المونسينيور غيبارتي بتصرّف الحاضرين، وهو بعنوان: «أيقونة السبت المقدّس، وقائع العرض العلني للكفن، 10 نيسان-23 أيار 2010».
أصدر المكتب الإعلامي لمتابعة وقائع العرض العلني للكفن الذي أقيم العام الماضي، في تورينو، كتابًا مرفقًا بقرص دي ڤي دي يتضمّن وقائع زيارة البابا بنيدكتس السادس عشر إلى المدينة، وأعمال المتطوعين الذين تجاوز عددهم الأربعة آلاف، والنشاطات الدينيّة والثقافيّة التي أقيمت للمناسبة.
يتضمّن الكتاب 134 صفحة من النصوص والصور، أُفردت 16 صفحة منها، في الوسط، لزيارة البابا. أمّا الدي ڤي دي فيتضمّن التسجيلات الصوتيّة وبعض اللقطات الأساسيّة. باستطاعة من يشاء الحصول على الكتاب والدي ڤي دي مجانًا من متحف الكفن في تورينو، شارع سان دومنيكو 28... التبرّعات موضع ترحيب.
حزيران 2011
تطالعنا وكالات الأنباء، بين الفينة والأخرى، عن خبر يقول بأنّه عُثر «أخيرًا» على الرسّام الذي قام برسم كفن المسيح الموجود في تورينو. فتارة يُقال إنّه ليوناردو دا ڤينشي، وطورًا بأنّه رسّام من القرون الوسطى، غير معروف بعد.
إنّ فريق الستارب الذائع الصيت، الذي عاين الكفن عن قرب، في العام 1978، وأخذ العيّنات والصور المختلفة، كان قد أعلن في تقريره النهائي أنّه:
«لم يتمّ العثور على خضاب أو دهانات أو أصباغ أو بقع على الألياف. إنّ الكشف الذي أُجري بواسطة الأشعة السينيّة، واستعمال تقنية الوميض، والإختبارات الكيميائية الدّقيقة، استبعدت كلّها إمكانيّة استخدام الطلاء كوسيلة لإنتاج الصورة. إنّ تقييم هذه الدراسات عن طريق الأشعة فوق البنفسجية والأشعة تحت الحمراء يؤكّد هذا الأمر.»
وقد أكّد الأمر جميع الذين استطاعوا معاينة الكفن، بالتبصّر في معالمه، ولمسه لتحسّس قماشته، أو اقتطاع العيّنات والنظر إلى التفاصيل الكامنة فيها بواسطة الميكروسكوب، بخاصّة الذين قاموا بعملية الترميم في العام 2002.
ومع ذلك، فقد ورد في كتاب حديث، بقلم الخبير الفنّي الإيطالي لوتشيانو بوسو Luciano Buso ، إنّ كفن المسيح هو أحد أعمال الرسّام والمعماري الإيطالي جيوتو دي بوندوني (1266-1337)، رائد النهضة الفنيّة الإيطاليّة، الذي عاش في فيرنتسي. وقد استطاع بوسو، بعد فحص دقيق ومطوّل لصور الكفن، رؤية توقيع جيوتو على القماشة، بالإضافة إلى الرقم 15، الذي يدلّ على تاريخ الرسم، في العام 1315، وذلك في أماكن عدّة من الكفن. وهذه الطريقة تتوافق مع العادة الجارية في تلك الأيّام حيث يقوم الفنّان بتوقيع عمله، ضمانة لحقوقه في الملكيّة !؟
لا حاجة لتكذيب الخبر، فالوثائق التاريخيّة التي تعود إلى ما قبل جيوتو، بالإضافة إلى معاينة الاختصاصيين، هي تشهد بأنّه من المستحيل أن يكون كفن تورينو من صنع رسّام، مهما كان هذا الرسّام حاذقًا.