ملاحظة الناشر
يروي إبن الأثير، على غرار سلفه الأنطاكي، وخلفه إبن العبري، القصّة نفسها عن استيلاء الروم على المنديل الذي كان في إساس الشهرة التي تمتعت بها مدينة الرّها.
... وفي السنة 332 (944 م) أرسل ملك الروم1 إلى المتقي لله2 يطلب منديلاً زعم أنّ المسيح مسح به وجهه، فصارت صورة وجهه فيه، وأنّه في بيعة الرّها. وذكر أنّه إن أرسل المنديل أطلق عددًا كثيرًا من أسارى المسلمين. فأحضر المتقي لله القضاة والفقهاء، واستفتاهم، فاختلفوا. فبعض رأى تسليمه إلى الملك وإطلاق الأسرى، وبعض قال إنّ هذا المنديل لم يزل من قديم الدهر في بلاد الإسلام، لم يطلبه ملك من ملوك الروم، وفي دفعه إليهم غضاضة.
وكان في الجماعة علي بن عيسى الوزير، فقال: إنّ خلاص المسلمين من الأسر ومن الضرّ والضنك الذي هم فيه أَولى من حفظ هذا المنديل. فأمر الخليفة بتسليمه إليهم، وإطلاق الأسرى. ففعل ذلك، وأرسل إلى الملك مَن يتسلّم الأسرى من بلاد الروم، فأطلقوا.
* هو الإمام العلاّمة عزّ الدين أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الجزري الشيباني. ولد في جزيرة إبن عمر، الواقعة في جنوبي شرقي تركيا اليوم، العام 1160، ونشأ بها، ثمّ سار إلى الموصل مع والده وأخويه، وسكن فيها، حتّى تاريخ مماته في العام 1232. مؤرخ إسلامي كبير، عاصر دولة صلاح الدين الأيوبي، ورصد أحداثها، ويعدّ كتابه «الكامل في التاريخ» مرجعًا لتلك الفترة من التاريخ الإسلامي. نقتبس قصّة منديل الرّها من كتابه: الكامل في التاريخ، نسخة تامة اعتني بنصّها قدر الإمكان، وفقّرت ورقّمت بترقيمين: ترقيمنا وترقيم النسخة القديمة، وفهرس لمواضيعها، وروّست كلّ صفحة منها بموضوعها، إعتنى به أبو صهيب الكرمي، بيت الأفكار الدوليّة، الأردن والسعودية، ص 1212.
1 هو رومانس الأوّل لوكابينس (920-944)
2 هو الخليفة العبّاسي المتّقي لله (941-943)