انطوان لوغران 1
في معتقل داخاو Dachau ، كان المحكوم عليهم بالإعدام يُعلَّـقون على عارضة أفقية بواسطة سيورة تُربط حول معاصمهم. وما كان يمضي ربع ساعة على تعليقه، حتّى يبدأ العذاب، حين يقوم الشخص المعلَّق بجذب أطرافه، فيرتفع جسمه، في حركة بطيئة، ومدى قصير. ثمّ لا يلبث أن تزداد الحركة سرعة، ويطول المدى، مسببًا تسخينًا عاليًا للجسم، فتخور قواه، ويبدأ العرق بالتصبّب. وبعد مضي ساعة من الزمن على تعليقه، تبدأ الصعوبة في زفر الهواء الفاسد من صدر هذا الصابر على الألم، لكنّه كان يستمرّ بمحاولة جذب جسمه إلى الأعلى، بمعدّل مرّة واحدة كلّ دقيقتين. ومع مرور الوقت، تتباطأ وتيرة الجذب.
إذا كان المعذّب ذا بنية قويّة، استطاع الجذب والمحافظة على وضع جسمه مرفوعًا لمدة أطول من غيره، تتراوح بين 30 و 70 ثانية، قبل أن يهبط ليلتقط أنفاسه. ما أن يلاحظ الجلادون الأمر، حتّى كانوا يقومون بربط الأثقال في قدميه، فيعيقون الحراك والجذب.
عندما تخور قوى المعذّب بالكامل، ويبدأ بالاختناق، يكون العذاب شارف على النهاية، فيموت بعد دقيقتين أو أربع دقائق. بالنسبة إلى ذوي البنية القويّة، كان الجلاّدون ينزعون عنهم الأثقال، ما يوفّر فترة انتعاش قصيرة لهم، فيعاودون الحراك والجذب، وهكذا يطول عذابهم.
كان القفص الصدري ينتفخ إلى أقصى الدرجات، أما البطن وتجويف المعدة فيخوران في داخل الجسم.
في حال عُلّقت الذراعان بشكل عمودي، مع امتداد الجسم، كان الموت يحصل بعد حوالي الثلاث ساعات. وفي حال كانت الذراعان متباعدتان، كان الموت يحصل بعد حوالي الست ساعات.
يزداد التعرّق في مراحل العذاب الأخيرة، بعد أن تتدنى حرارة الجسم، وبالتالي، قدرته على المساهمة في تبخّر العرق. هذا بالإضافة إلى العرق الناتج عن الحالة النفسية الذي يبدأ بالظهور ما أن يكفّ الشخص عن الصراع مع الموت، ويستسلم إلى نهايته الحتميّة. في تلك اللحظة، تنساب قطرات العرق الكبيرة نزولاً إلى القدم، إلى القناة ما بين الابهامين الكبيرين حيث تمرّ فيها إلى الأرض الخرسانية، مكوّنة بقعًا صغيرة رطبة.
يوضح الأب ديلوري بأنّه، ما أن تبدأ قطرات العرق بالتساقط على الأرض، حتّى يدرك المعتقلون الآخرون، الذين كانوا يحضرون العذابات مرغمين، أنّه لم يبق لرفاقهم التعساء إلا دقيقة واحدة أو دقيقتين ليفارقوا الحياة.
بعد الموت، ينتفخ الجزء الأسفل للبطن، لكنّ تجويف المعدة يبقى خائرًا في الجسم بشكل كبير، ويتحوّل لون الجسم إلى البنفسجي، ويسقط الرأس إلى الأمام، على محور الجسم، الذي غدا جثة متصلّبة.
* نقله عن الفرنسيّة إلى العربيّة: فارس حبيب ملكي.
1 نشر السندونولوغ الفرنسي انطوان لوغران (+2002)، في مجلّة Médecine et Laboratoire ، العدد 19، العام 1952، شهادة مواطن من اللكسمبورغ، اسمه ر. جيزر R. Gieser ، وشهادة كاهن كاثوليكي، اسمه ج. ديلوري G. Delory، كانا معتقلين في معسكر داخاو، وقد صادق على روايتهما إدمون ميشيليه (+1970)Edmond Michelet ، السياسي الفرنسي الذي كان أيضًا في المعتقل نفسه.