إلى السيّد أرتور لوت،
بكلّ إكرام وعرفانٍ بالجميل
في 29 حزيران 1907
في شهر أيار 1898، فيما كان يقترب الوقت المحدَّد للعرض الاحتفالي للكفن المقدّس، برزت فكرة أخذ صورة له، فقدَّمتُ نفسي للقيام بهذا العمل، مبديًا استعدادي لتحمّل كلّ التكاليف، والتخلّي عن أيّ حقوق فنيّة.
لاقى عرضي ترحيبًا من ملكنا أومبيرتو Umberto، الطيّب الذكر، بعد دعم البارون مانو Manno، صاحب النفوذ الذي أتشرَّف بصداقته، فتفضّل الملك وأعطاني إذنًا خاصًّا، لوحدي، للمباشرة بالعمل.
باشرتُ العمل وأنا مشغول البال، لأنّ المطلوب أخذ صورة لشيئ لم أَره من قبل، وهو، بحسب الذين رأوه خلال العروضات السابقة، ليس عليه سوى آثار باهتة. أضف الى ذلك، عدم معرفتي بعد بالوسيلة التي ستُعتمد لإضائته، وبظروف العمل. وبالفعل فقد أتت الصعوبات كبيرة جدًّا.
في اليوم الأوّل من العرض، الموافق 25 أيار، قمتُ بتشييد سقالة أمام المذبح حيث عُرضت الذخيرة المقدّسة، ووضعتُ آلة التصوير التي كانت بقياس 50 x 60 سنتم. برز أمامي عائق كبير، تَمثَّل في طريقة إنارة الكفن المقدَّس، إذ كنتُ قد وضعتُ مصباحين كهربائيّين مقابل المذبح، كلٌّ واحد منهما على زاوية من زوايا السقالة، يلقي بنوره على نقطة محدّدة، ما جعل إنارة سطح الكفن غير متوازنة.
حاولتُ معالجة هذا العائق، فوضعتُ قطعتين من الزجاج غير المصقول أمام المصباح، كي أحصل على إنارة متوازنة وأكثر انتشارًا، ولكنّ الحرارة الناتجة عن المصباحين، الأوّل بقوّة 1000 كانديلا2 والثاني بقوّة 950، جعلَت الزجاج ينكسر بعد خمس دقائق من بدء العملية. وبما أنّه كان يجب فتح أبواب الكنيسة أمام جمهور فقد صبره، اضطررتُ إلى تأجيل العمل.
أثناء ذلك، تَمَّ تثبيت زجاجة غير مصقولة أمام كلّ مصباح، على مسافة 1.95 مترًا، لتلافي الكسر، وكَرَّرتُ المحاولة في 28 أيار، الساعة 9.32 مساءً. لكنّ صعوبات جديدة برزت، هذه المرّة أيضًا، بسبب زجاج من البلّور وُضع أمام الكفن المقدّس، لحمايته من الغبار المتصاعد، طوال الأيام الثلاثة، ما جعل عملي أكثر صعوبة، إذ أصبحت المصابيح وزينة الكنيسة ظاهرة على البلّور، فاضطرَّيتُ إلى الابتعاد مسافة 8 أمتار، ونقل السقالة، مع آلة التصوير.
ثمّ ظهرت صعوبة أخرى، ليست أقلّ شأنًا من الأولى، سببها مصدر الإنارة المسلّط على الكفن، إذ يجب على النور أن يدوم مدّة طويلة، ويكون ثابتًا ومتواصلاً. وقد نلت مبتغاي، بفضل العون الفعّال الذي قدّمه لي، بكل طيبة خاطر، الشخص المسؤول عن هذه الخدمة. لكنّ الأمر المزعج حصل مع المصباحين اللذين يغذّيهما التيار: بما أنّهما من مصدرين مختلفين، لم يكن لديهما القوّة ذاتها، كما سبق وذكرت، إذ كانت قوّة الأوّل 1000 كانديلا والثاني 950، ما جعل العيب يبدو عند معاينة الصفائح الفوتوغرافية.
قام الكاتب العدل في تورينو، جيوسيبي كانتو Giuseppe Cantu، بتدوين جميع هذه الأمور في سجلّه، مضيفًا عليها موافقة الشهود؛ كما تحدَّثت عنها بعض المنشورات.
قمتُ بمحاولتين، مستعملاً صفائح بمقياس 50 x 60 سنتم: الأولى مدّتها 14 دقيقة، والثانية 20 دقيقة؛ واستعملتُ عدسة فويتلاندر Voigtlander ، وفتحة الحاجزdiaphragme 2 ملم؛ ووضعتُ فيلترًا ذا لون مائل الى الاصفرار.
أمّا الصفائح، فكانت من النوع المتساوي الألوان orthochromatique من إنتاج شركة إدوارد Edward ، ومحلول التحميض من أوكسالات الحديد Oxalate ferreux، مُحضَّر بالطريقة العادية، دون إضافة أيّ مواد كيمائيّة خاصّة بإمكانها تشويه النتيجة الطبيعيّة العاديّة لعملي، بطريقة أو بأخرى.
لقد شعرتُ بتأثر بالغ، وأنا منصبٌّ على عملي في الغرفة المظلمة، أثناء عمليّة التحميض، لَمَّا شاهدتُ الوجه المقدّس يظهر على الصفيحة بكلّ وضوح، لدرجة أنّني دُهشتُ وسُررتُ، إذ تَيقَّنتُ، منذ تلك اللحظة، بأن عملي أعطى نتيجة جيدة. بعدها، قمتُ بتثبيت الصورة على الصفيحة بواسطة حامض كبريت الصود hyposulfite de soude.
هذا، وكما كتبتُ، لا أَدَّعي أبدًا بأنّني اخترعتُ طريقة خاصّة، ولم ألجأ إلى أيّ حيلة كما أراد البعض أن يصوِّره. لكنّ خبرتي الطويلة هي التي ساعدتني، ربّما، مع أنّني لستُ سوى هاوٍ، أَقوم بتصوير بعض الرسومات والأشكال الملوّنة، موجود معظمها في أماكن قليلة الإنارة، وتتطلّب وِضعة طويلة الأمد.
يمكنني أن أؤكّد بشرفي بأنّ، لا الصفائح السلبيّة، أي الأصليّة، ولا الصفائح اللاحقة التي استُعملت لتظهير الصور الإيجابيّة، قد خضعَت لأيّ شكل من أشكال الرتوش. ودعمًا لهذا التصريح الجازم، باستطاعتي إبراز شهادة العديد من الشخصيّات الذين سنحت لهم الفرصة لمعاينة الصفائح الأصليّة، في اليوم الذي تَلى عمليّة التصوير، بعدما أبدوا اهتمامًا ملحوظًا بعملي هذا.
لقد قيل أيضًا إنّ عمليّة التصوير تَمَّت بواسطة استعمال الشفافية par transparence، لكنّ هذا الاعتراض في غير محلّه، إذ يَعلم الجميع بأنّ الكفن المقدّس مخيط على بطانة من الحرير الأحمر، وُضعت بسبب الحوادث والأوضاع السيئة التي عانى منها على مرّ الزمن، ما يمنع رؤية أي شيء من خلال الشفافيّة.
لتفسير جميع هذه الأمور، ومهما كانت طريقة التفسير، عزا بعضهم النتيجة الإيجابيّة على الصفيحة الفوتوغرافيّة إلى إطالة مدّة التعريض surexposition، سببها عامِل كيميائي غير متوقَّع أو طريقة جدّ خاصّة، خلال عمليّة التحميض.
إذا وضعنا جانبًا ما قلته عن الطريقة الطبيعيّة التي استعملتها لتحميض الصفائح الفوتوغرافيّة الأصليّة، فإنّ الإعتراض القائل بإطالة مدّة الوِضعة تُكذِّبه بوضوح الصورة الأولى الأصليّة التي التقطتها خلال الفترة التجريبيّة، والتي أُرسل لكم نسخة سلبيّة عنها. نرى في هذه الصورة، بالإضافة إلى الكفن المقدّس، الإطار، وقسمًا من المذبح حيث كانت الذخيرة المقدّسة معروضة. ومن الواضح أنّه، لو طالت مدّة الوِضعة على الصفيحة، لظَهَر الملاكان المتواجدان على الجانبين بشكل "إيجابي" كما حصل بالنسبة للكفن المقدّس، أي باللون الأبيض، فيتحوّل إلى اللون الأسود بعد إجراء السحب على الورق. وليس من الممكن أن ينعكس مفعول إطالة مدّة الوِضعة فقط على جزءٍ من الصفيحة الفوتوغرافيّة.
إنّ بعض الخبراء في كيمياء الفنّ الفوتوغرافي قد توصّلوا إلى استنتاج مدّة الوِضعة دون أن يكلِّفوا أنفسهم، للتأكد من نتيجتهم هذه، معرفة قوّة الإنارة المتاحة، ونوعيّة العدسة، وفتحة الحاجز الذي استعملته، وما إذا تمّ ذلك بوجود الفيلتر الأصفر أو لا، وما هي نوعيّة الصفائح، وبالأخصّ درجة حساسيّتها، وما كانت الصعوبات المحدّدة التي واجهتها للوصول إلى هدفي الذي كان تصوير الكفن المقدّس.
هذه هي، سيّدي، بكل بساطة وصراحة، الطريقة التي استعملتها لتنفيذ هذا العمل الهامّ، وقد عرضتها أمامكم ببضع كلمات.
إنّي آمل بأنّ أقوالي الصريحة هذه سوف تنجح في دحض جميع الفرضيّات التي أُطلقَت بشأني، والتي نجحتم في محاربتها، مع العلماء الآخرين، بتقديمكم الحجج الدامغة، والبراهين التي أثبتت عدم وجودها، وقد دافعتم، بكلّ شجاعة، عن النزاهة التي تحلَّيت بها أثناء تنفيذ هذا العمل الفوتوغرافي، بعدما شُكِّك بها، بكلّ خفّة، من قبل شخصيّات كان الأجدى بهم، نظرًا لمراكزهم، أن يكونوا أكثر انتباهًا في إطلاق أحكامهم.
إنّ أفضل جائزة عن عملي هذا هي في رؤيتي للنجاح الذي حَقَّقه؛ وأكثر من ذلك، بأنّه فتحَ باب النقاشات الهامّة حول ذخيرتنا المقدّسة.
* نقله الى العربية، فارس حبيب ملكي، عن النصّ الفرنسي الأصلي الصادر في كتاب:
La photographie du Saint Suaire de Turin, éd. Oudin, Paris, 1907, p. 17-21.
1أرتور لوت هو مؤرّخ فرنسي كاثوليكي. وُلد العام ١٨٤٢، وتوفّي العام ١٩٢٧. من أشهر مؤلفاته «يسوع المسيح في التاريخ» Jésus Christ dans l'Histoire