إنّ استعمال التصوير الفوتوغرافي، وتطبيقه على صورة كفن تورينو، قد شهد، مؤخرًا، تطويرًا ملحوظًا جاء بنتائج غير متوقّعة، ومثيرة للاهتمام.
وما أودُّ عرضه هنا هو نتائج الأعمال التي قدمتها أثناء المؤتمر العالمي الثالث لدراسة كفن تورينو،1 والتي قمتُ بتحسينها، منذ ذلك الوقت.
إنّ هذه المعالجة الجديدة للصورة لا تؤدي سوى إلى إبراز الميزات الخاصّة التي تحملها صورة الكفن بحدّ ذاتها، وإلى إظهارها جليّة. وقد يكون من المفيد، لفهم هذه العمليّة، أن نقدّم مراجعة سريعة لبعض الأمور.
عندما نحلّل البصمة التي تركها رجل الكفن، نلاحظ أنّها مؤلّفة من سلسلة من "الحدّات المتغيّرة ذات اللون الواحد2التي تكوّن الصورة، وترسمها بحدّات تنخفض قيمتها بحسب المسافة القائمة بين الجسم والقماش. ولتبسيط الأمور، يمكننا القول إنّه يوجد نقاط نرى فيها الحدّة القصوى، وهي، مثلاً، نقاط الوجه التي تلامس القماش مباشرة (الحواجب والأنف والذقن)، وهذا أمر طبيعيّ.
لكنّنا نجد، بالإضافة إلى ذلك، أنّ هناك آثارًا في الأماكن التي لم تلامس الجسم، وهذا أمر يصعب تفسيره. وتحمل هذه الآثار سلسلة من الحدّات التي تنخفض قيمتها كلّما زادت المسافة بين الجسم والقماش، إلى أن تختفي الصورة تمامًا، بطبيعة الحال.
ويمكن لنظريّة فينيون Vignon البخاريّة أن تفسّر هذه الظاهرة التي تدعو إلى التساؤل، ولكنّها تؤدي إلى صورة سريعة الزوال، بينما الآثار التي نجدها على كامل الوجه لها ميزات مثاليّة ومثيرة للعجب.
وعلى ضوء هذه الميزة المحيّرة التي يصعب تصديقها، أكّد البعض أنّ صورة الكفن تحتوي على معلومات عن الأبعاد الثلاثة، تمكّن بعض الباحثين من حلّ رموزها، وحصلوا على المنحوتات الشهيرة والصور البارزة التي نعرفها، كما حدث مع كلّ من: غاستينو Gastineau بواسطة الليزر؛ جامبرJumper وجاكسون Jackson بواسطة المعالج VP8 العائد لوكالة الفضاء الأميركيّة NASA ؛ طمبورللي Tamburelli وبالوسّينو Balossino بواسطة التقنيات المعلوماتية.
لذلك، فإنّ التقنية الفوتوغرافيّة التي سأعرضها الآن، والتي بُنيت على فرضيّات أخرى، تظهر الميزات العائدة للكفن التي نحن بصددها، بشكل أقوى وأوضح، ويمكن أن نطلق عليها تسمية "التصوير البارز".
لقد تمّ تطوير هذه التقنية في بداية القرن الماضي، في محاولة لإعطاء بعض العمق للصور الفوتوغرافيّة ذات البعد الثنائي، إلاّ أنّها لم تؤدّ سوى إلى خلق أعمال خياليّة في مجالي الفن والإبداع.
إنّ هذه التقنية مبنيّة على وضع فِلمَين متكاملين الواحد فوق الآخر (الفيلم السلبي والفيلم الإيجابي العائدَين للموضوع ذاته) ولكن مع انزياح بسيط للواحد بالنسبة إلى الآخر. هذا الانزياح، الذي يمكن تشبيهه بالانزياحات المطبعيّة3 يعطي، بسبب هذه المباعدات الصغيرة، شدّات وشفافيات تقوّي الكفاف، مع أضواء وظلال لا تشوّه الأشكال، فنحصل على مظهر يشبه النقش البارز.
لا يمكنني، في بضعة سطور، إعطاء تفاصيل كثيرة حول تقنية أبحاثي، ولكن يمكنني القول إنّه، أثناء تجاربي واختباراتي، كنت أرى النتائج المتعاقبة التي، شيئًا فشيئًا، كانت تظهر مع التركيبات المختلفة بين الحدّات والتباينات والمواقع، والتي أعطت هذه النتائج النهائيّة المثلى.
يجب، أيضًا، إضافة ملاحظة محدّدة حول هذه الصور: فمع أنّ التفاصيل العميقة للصورة الأصليّة لا تبيّن أيّ ظلّ على الإطلاق، تمكنّا من الحصول على هذه المفاعيل، بالاعتماد فقط على الأضواء والظلال التي تخلقها هذه التقنية.
إذا أمعنّا النظر، يمكننا أن نرى، مثلاً، عند إنارة الوجه بواسطة ضوء مائل بمقدار 45 درجة عن يمين الجسم، أنّ الظلال الناتجة تبيّن بوضوح استدارة وسماكة طبيعيّتين، كاشفة بذلك كلّ الآثار الناتجة عن الضربات التي تلقاها الرجل:
- الانتفاخ في عظمة الخدّ الأيمن.
- التورّم في الخدّ الأيمن.
- الأنف المكسور.
- سيلان الدم على الجبين.
- إلخ...
إذا تفحّصنا صورة آثار الجسم من الأمام، كما تظهر تحت ضوء مائل بمقدار 45 درجة عن يسارها، نرى تناغم الجسد بأكمله، والوضوح في العيوب التي تظهر، عادة، على جسد رجل مصلوب، وهي:
- الشكل المتمدّد للقفص الصدري في وضعيّة الاختناق.
- الانبعاج الناتج عن تقلّص الحجاب الحاجز.
- انتفاخ البطن.
- البروز الاستثنائي لليدين.
- وضع الساقين المتلاصقين بشدّة.
- الركبتان المتقاربتان.
وأخيرًا، بالنسبة إلى صورة الجسم من الوراء، والتي قد تكون الأكثر أهميّة للدراسة، يمكننا أن نرى النتائج الناجمة عن موت المصلوب، مسمرًا وواضعًا رجلاً فوق الأخرى، وكذلك آثار تصلّب الجثّة، وهي:
- الشكل الخارج قليلاً عن محوره.
- الردفان اللامتناسقان مع الجهة اليمنى المنخفضة أكثر من الأخرى.
- الفخذان في وضعيّة تماس مختلفة.
- الساقان اللذان يعطيان صورة انحناء بسيط.
بالإضافة إلى ذلك، نُفاجَأ برؤية كتلة من الشعر الناعم والمطلق بحريّة، مع الجهة اليمنى أطول من اليسرى. كما يمكن الإشارة إلى الرأس المائل قليلاً والمنحني إلى الأمام.
إنّ تحليل الظهر يتفق تمامًا مع دراسة الدكتور "زاكا" حول استناد رجل حيّ إلى سطح زجاجي، ومقارنته مع استناد جثة إلى نفس السطح، حيث لوحظ أنّ تصلّب الجثّة يحافظ على استدارة العضلات.
هذه النتائج المفاجئة تعود فقط إلى الارتفاع الشديد للميزات الخاصّة بصورة الكفن.
ولكي نبيّن ذلك بوضوح، إليكم النتيجة التي نحصل عليها باستعمال صورة فوتوغرافيّة تظهر فتاة تحمل صورة الوجه المقدّس. إنّ تطبيق تقنية التصوير البارز على كلّ الصورة تظهر أنّ الوجه المقدّس وحده، بسبب احتوائه على معلومات مختلفة، يظهر بشكل بارز، بينما باقي الصورة يبدو مزدوجًا بشكل كامل.
وفي الختام، أودّ أن أؤكّد أنّي حصلت على هذه النتائج باستعمال طريقة التصوير الفوتوغرافي العادية وحدها، من دون أيّ معالجة تحويليّة للصورة. وهذه الطريقة تتميّز عن تلك التي نحصل عليها باستعمال معالجات معلوماتية، بأنّها تجعل الصورة أكثر نعومة، وأكثر استدارة، وأكثر جمالاً، وأكثر "فوتوغرافيّة" إذا جاز التعبير.
إنّ هذه الصورة الأخيرة، بواقعيتها التي لا تصدّق، تجعل التأمّل في صورة رجل الكفن، بلغزها الدائم، أكثر إثارة للمشاعر، وأكثر دراميّة، وكأنّنا أقرب ما نكون إلى شهود عيان على هذه الظاهرة.
* نقله إلى العربية: المهندس جرجس إميل ملكي، عن النصّ الفرنسي المُرسَل من الكاتب إلى الناشر.
1 ملاحظة الناشر: إنعقد المؤتمر العالمي الثالث في مدينة تورينو بتاريخ 5 حزيران العام 1998 حتّى السابع منه. 2 ملاحظة المعرّب: تعريب intensités variables monochromatiques 3 ملاحظة الناشر: هي الفروقات الطفيفة المعروفة في عالم الطباعة، والظاهرة لَمّا يتمّ طبع صورة ما على وجه الصفحة، والصورة نفسها على خلف الصفحة، وإذا نظرنا إلى النور، من خلال الصفحة، نلاحظ أنّ الصورتان لا تتطابقان بالكامل.